بسم الله الرحمن الرحيم
لعن الكافر الحي على التعيين لا يجوز لأن الله سبحانه عاتب نبيه محمداً
صلى الله عليه وعلى وسلم حين لعن بعض صناديد قريش .
أخرج البخاري(4069) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا
وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ
إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
فقد يهديه الله إلى الإسلام واللعن معناه الطرد والإبعاد من رحمة الله .
أما لعن الكافر الميت لمصلحة الإسلام مثل أن يُقال :فرعون لعنه الله أوأبو
جهل لعنه الله فلا بأس به .
فإن لم يكن هناك مصلحة لبيان حاله فروى البخاري (1393)عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا
قَدَّمُوا» .
هذا ما سمعناه واستفدناه من مجالس والدي الشيخ مقبل رحمه الله .
قلت :قال النووي في شرح صحيح مسلم (2/ 67)اتَّفَقَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعْنِ فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْإِبْعَادُ
وَالطَّرْدُ.
وَفِي الشَّرْعِ :الْإِبْعَادُ
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْعَدَ
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ لَا يُعْرَفَ حاله وخاتمة أمره مَعْرِفَةً
قَطْعِيَّةً فَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجُوزُ لَعْنُ أحد بعينه مسلما كان أوكافرا
أَوْ دَابَّةً إِلَّا مَنْ عَلِمْنَا بِنَصٍّ شَرْعِيٍّ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى
الْكُفْرِ أَوْ يَمُوتُ عَلَيْهِ كَأَبِي جَهْلٍ وَإِبْلِيسَ .
وَأَمَّا اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ كَلَعْنِ
الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَآكِلِ
الرِّبَا وَمُوكِلِهِ وَالْمُصَوِّرِينَ وَالظَّالِمِينَ وَالْفَاسِقِينَ
وَالْكَافِرِينَ وَلَعْنِ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ
مَوَالِيهِ وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ أَحْدَثَ فِي
الْإِسْلَامِ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ
النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ باطلاقه على الأوصاف لاعلى الْأَعْيَانِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ .
ونص عليه العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين تحت (باب
تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة) .
وقال:حتى لو كان كافرا وهو حي فإنه لا يجوز أن تلعنه واستدل بحديث
ابن عمر المذكور.
وقال ابن عُثيمين رحمه الله :ومن الناس من تأخذه الغيرة فيلعن الرجل المعين إذا كان كافرا وهذا لا
يجوز، لأنك لا تدري لعل الله أن يهديه وكم من إنسان كان من أشد الناس عداوة
للمسلمين والإسلام هداه الله وصار من خيار عباد الله المؤمنين، ونضرب لهذا مثلا:
عمر بن الخطاب الرجل الثاني بعد أبي بكر في هذه الأمة، كان من ألد أعداء الإسلام
ففتح الله عليه فأسلم .
خالد بن الوليد كان يقاتل المسلمين في أحد وهو من جملة من كرَّعليهم
وداهمهم، عكرمة بن أبي جهل .
وغيرهم من كبار الصحابة الذين كانوا من أول ألد أعداء المسلمين فهداهم
الله عز وجل .
ولهذا قال: { ليس لك من الامر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون
} .
أما إذا مات الإنسان على الكفر وعلمنا أنه مات كافرا فلا بأس أن نلعنه
لأنه ميئوس من هدايته والعياذ بالله لأنه مات على الكفر .
ولكن ما الذي نستفيده من لعنه ربما يدخل هذا - أعني لعنه - في قول النبي
صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا .اهـ المراد
استفدنا من هذا أن لعن الكافر الحي لا يجوز والدليل حديث ابن عمر في نزول
قوله تعالى{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ
يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.فقد يهديه الله للإسلام .إلا من جاء
الدليل بأنه يموت على الكفر كأبي جهل وإبليس فإنه يجوز لعنه .
لعن الكافر الميت لمصلحة الإسلام لا بأس .
اللعن بالوصف من غير تعيين مثل لعنة الله على الكافرين هذا جائز وقد قال
تعالى {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}.
رحم الله علماءَنا وجزاهم عنا خيراً .