بسم الله الرحمن الرحيم
الذي أرشدنا ربنا إليه هو الذكر والاستعاذة من الشيطان الرجيم عند
وساوسه والخوف من ضرره قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
وَقَالَ تَعَالَى:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ
أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ. وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} .
وَقَالَ تَعَالَى:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَما يُلَقَّاها إِلَّا
الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير(الاستعاذة): فَهَذِهِ ثَلَاثُ
آيَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ رابعة في معناها وهو أن الله تعالى يَأْمُرُ بِمُصَانَعَةِ
الْعَدُوِّ الْإِنْسِيِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ عَنْهُ طَبْعُهُ
الطَّيِّبُ الْأَصْلِ إِلَى الْمُوَادَّةِ وَالْمُصَافَاةِ.
وَيَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ
بِهِ مِنَ الْعَدُوِّ الشَّيْطَانِيِّ لَا مَحَالَةَ إِذْ لَا يَقْبَلُ
مُصَانَعَةً وَلَا إِحْسَانًا وَلَا يَبْتَغِي غَيْرَ هَلَاكِ ابْنِ آدَمَ
لِشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ آدَمَ مِنْ قَبْلُ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ
أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ اهـ .
فهذا ما بيَّنه الحافظ ابن كثير في الاستعاذة من الشيطان وأن الله سبحانه
في ثلاث آيات من كتابه العزيز يحث عباده ويأمرهم بالإحسان إلى العدو الإنسي فإن
الإحسان مؤثر فقد يرده إلى المصافاة والأخوة .
بخلاف العدو الشيطاني فإنه لا ينفع فيه معروفا ولا إحسانا.
غايةما يريد إفساد ابن آدم وضرره
وهلاكه فلهذا أرشدنا ربنا إلى الاستعاذة منه أعاذنا الله منه .
وهذا بعضُ كلامِ العلماء في المسألة
قال ابن القيم رحمه الله في
زاد المعاد(2/324) في
سياق ذكره للسبِّ المنهي عنه: وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّهُ
يَتَعَاظَمُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، فَيَقُولُ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ،
وَلَكِنْ لِيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ
الذُّبَابِ» ).
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ الشَّيْطَانَ يَقُولُ:
إِنَّكَ لَتَلْعَنُ مُلْعَنًا» .
وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ: أَخْزَى اللَّهُ الشَّيْطَانَ،
وَقَبَّحَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُفْرِحُهُ، وَيَقُولُ
عَلِمَ ابْنُ آدَمَ أَنِّي قَدْ نِلْتُهُ بِقُوَّتِي، وَذَلِكَ مِمَّا يُعِينُهُ
عَلَى إِغْوَائِهِ، وَلَا يُفِيدُهُ شَيْئًا، فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَنْ يَذْكُرَ
اللَّهَ تَعَالَى، وَيَذْكُرَ اسْمَهُ وَيَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَإِنَّ
ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَأَغْيَظُ لِلشَّيْطَانِ اهـ.
قلت:الحديث الآخرالذي ذكره ابن القيم رفعُه ضعيف .
فالحديث ذكره الدارقطني في العلل (10/ 148)عن أَبِي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: إِذَا لُعِنَ
الشَّيْطَانُ، قَالَ: لَعَنْتَ مَلْعَنًا، فَإِذَا اسْتَعَذْتُ بِاللَّهِ مِنْهُ،
قَالَ: كَسَرْتَ ظَهْرِي.
وقال عقبه :رَفَعَهُ مُوسَى بْنُ خَاقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
هَارُونَ، عَنْ مِسْعَرٍ.
وَغَيْرُهُ يُوقِفُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
ويقول الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله في مجموع فتاواه(3/ 125) :الإنسان لم يؤمر بلعن الشيطان، وإنما أمر بالاستعاذة منه ثم
ذكر بعض الآيات السابقة .
واستفدنا من والدي الشيخ مقبل رحمه الله: أن الأولى تركُ سبِّ الشيطان
وأن يذكرالله للحديث الذي ذكره ابن القيم فإن الشيطان يتعاظم ...
وقد ثبت في صحيح مسلم (542) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَامَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «أَعُوذُ
بِاللهِ مِنْكَ» ثُمَّ قَالَ «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ» ثَلَاثًا، وَبَسَطَ
يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ
نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قَالَ:
" إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ، جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ
فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ:
أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،
ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ، وَاللهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ
لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ".
وفي فتاوى اللجنة الدائمة تعليقٌ على هذا الحديث (26/ 70) ما نصه : فإنه يجوز للإنسان أن يلعن الشيطان إذا
تعرض له ليضره أو جاهده ووسوس له ليفتنه عن طاعة الله، لكن لا يترك التعوذ منه
بالله، والإكثار من ذكر الله، وقول: بسم الله ونحو ذلك من الأذكار والأدعية
المشروعة؛ ليتحصن المسلم بالله من شره،وعملا بالآيات والأحاديث السابقة، وينبغي
للإنسان أن لا يجعل لعن الشيطان ديدنه بدون سبب، اقتداء برسول الله صلى الله عليه
وسلم اهـ.
والحاصل : أن سب الشيطان منهي عنه لأنه لا يضره السب ولا يستفيد
السابُّ للشيطان شيئاً.
وأن الذكر والاستعاذة أنفع وأنجح من سبِّ الشيطان ولهذا أرشدنا ربنا
سبحانه إليهما.
وقد أخرج الترمذي في سننه(2863) عن الحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ الحديث وفيه :وَآمُرُكُمْ أَنْ
تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي
أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ
مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا
بِذِكْرِ اللَّهِ.
وأن سبَّ الشيطان يفرحه ويعظِّمه (فَإِنَّهُ يَتَعَاظَمُ حَتَّى
يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، فَيَقُولُ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ:
بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ) .
وأن لعن الشيطان أحياناًعند وجود سبب لا بأس به كما فعل النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم (أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ).
والشيطان هو ملعونٌ بلعنة الله { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ }لكنه ليس هناك أنفع من
الذكر فهو الذي يُغيظه ويُضعفه ويذلُّه ويخمده .
وإغاظةُ العدو محبوب عند الله كما قال سبحانه { وَلَا يَطَئُونَ
مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا
كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ }.
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين(1/ 241 ):فَمُغَايَظَةُ الْكُفَّارِ غَايَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلرَّبِّ مَطْلُوبَةٌ
لَهُ، فَمُوَافَقَتُهُ فِيهَا مِنْ كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ .
نسأل الله أن يعيذنا من شر الشيطان وشركه .
فائدة: (معنى اللعن ) قال ابن فارس في مقاييس اللغة: لعنَ يَدُلُّ
عَلَى إِبْعَادٍ وَإِطْرَادٍ. وَلَعَنَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ: أَبْعَدَهُ عَنِ
الْخَيْرِ وَالْجَنَّةِ.
وقال ابن الأثير في النهاية: وَأَصْلُ اللَّعْن: الطَّرْد
والإبْعاد مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء.
وفي لسان العرب :اللَّعْنُ: الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ.
وَقِيلَ: الطَّرْد والإِبعادُ
مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاءاهـ.
أم عبدالله بنت الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله 26/من شهر الله
المحرم 1437.