جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 16 أكتوبر 2015

حديث النهي عن صوم يوم السبت إلا في الفريضة

بسم الله الرحمن الرحيم
أخرج أبوداود في سننه (2421) والترمذي (744) من طريق ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ الصَّمَّاء، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» .
قال أبو داود عقب هذا الحديث: «هَذَا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ» .
ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في التلخيص الحبير (2/414)كلام أبي داود ثم قال : وَلَا يَتَبَيَّنُ وَجْهُ النَّسْخِ فِيهِ.
 قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ فِي آخِرِ أَمْرِهِ قَالَ: خَالِفُوهُمْ، فَالنَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ يُوَافِقُ الْحَالَةَ الْأُولَى، وَصِيَامُهُ إيَّاهُ يُوَافِقُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ، وَهَذِهِ صُورَةُ النَّسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
وأخرج أبو داود في سننه (2423) بسند صحيح عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ» يَقُولُ ابْنُ شِهَابٍ: هَذَا حَدِيثٌ حِمْصِيٌّ.
قال صاحب عون المعبود : يُرِيدُ تَضْعِيفَهُ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بسر راويان حمصيان أَحَدُهُمَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدُ وَثَانِيهِمَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ تَكَلَّمَ فِيهِمَا بَعْضٌ وَوَثَّقَهُمَا بَعْضٌ اهـ
وثوربن يزيد :الكلاعي ثقة إلا أنه رُمي بالقدر قال عبد الله بن المبارك: سألت سفيان الثوري عَنِ الأخذ عَنْ ثور بْن يزيد؟ فقَالَ: خذوا عنه واتقوا قرنيه كما في تهذيب الكمال .
يقول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله: يعني القدر وأيضاً عنده شيء من النصب .
وخالد بن معدان أيضاً ثقة وكان يُرسل .
وأ خرج أبوداود (2424) من طريق الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَا زِلْتُ لَهُ كَاتِمًا حَتَّى رَأَيْتُهُ انْتَشَرَ يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ هَذَا فِي صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ .
والوليد هو ابن مسلم الدمشقي يدلس تدليس التسوية وقد عنعن في هذا السند .
 وقَالَ أَبُو دَاوُدَ عقب الرقم المذكور: قَالَ مَالِكٌ: «هَذَا كَذِبٌ» .
وقال ابن القيم في زاد المعاد(2/75) قَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ .
وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (2/72) قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت يفترد  به فقال أما صيام يوم السبت يفترد به فقد جاء في  ذلك الحديث حديث الصماء  " يعني حديث ثور عن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء،  قال أبو عبد الله: " وكان  يحيى بن سعيد يتقيه وأبى  أن يحدثني به، وقد كان سمعه من ثور. قال: فسمعته من أبي عاصم.
قال الأثرم: وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت: أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر.
منها: حديث جويرية  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: «أصمت أمس؟ " قالت: لا، قال " أتريدين أن تصومي غدا؟ " فالغد هو يوم السبت » .
وحديث أبي هريرة: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا بيوم قبله أو يوم  بعده»  . فاليوم الذي بعده هو  يوم السبت.
ومنها: أنه كان يصوم شعبان كله،  وفيه يوم السبت.
ومنها: أنه أمر بصوم المحرم  وفيه يوم السبت، وقال: «من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال»  وقد يكون فيها السبت.
وأمر بصيام أيام البيض  وقد يكون فيها السبت. ومثل هذا  كثير.
فهذا الأثرم، فهم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث، وأنه رخص في صومه، حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة، وذكر أن الإمام في علل الحديث (يحيى بن سعيد) كان يتقيه، وأبى أن يحدث به، فهذا تضعيف للحديث.
واحتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة، على صوم يوم السبت، ولا يقال: يحمل النهي على إفراده؛ لأن لفظه: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» والاستثناء دليل التناول، وهذا يقتضي أن الحديث عم صومه على كل وجه، وإلا لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى فإنه لا إفراد فيه، فاستثناؤه دليل على دخول غيره، بخلاف يوم الجمعة، فإنه بين أنه إنما نهى عن إفراده.
وعلى هذا؛ فيكون الحديث: إما شاذا غير محفوظ، وإما منسوخا، وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه كالأثرم، وأبي داود.
وأكثر أهل العلم على عدم الكراهة.
وأما أكثر  أصحابنا ففهموا من كلام أحمد الأخذ بالحديث، وحمله على الإفراد، فإنه سئل عن عين الحكم، فأجاب بالحديث، وجوابه بالحديث  يقتضي اتباعه اهـ المراد.
وذكر الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 414 )أنواعاً من الاختلاف في إسناده ثم قال : لَكِنَّ هَذَا التَّلَوُّنَ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ بِالْإِسْنَادِ الْوَاحِدِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ، يُوهِنُ رَاوِيَهُ وَيُنْبِئُ بِقِلَّةِ ضَبْطِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِجَمْعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى قِلَّةِ ضَبْطِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَا اهـ
وقال في بلوغ المرام رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ .
وحسَّنه الترمذي وصححه ابن السكن وابن حبان والحاكم كما في البدر المنير لابن الملقن .
وقد بحثت وجمعت طرق هذا الحديث أثناء تدريسي للنساء بلوغ المرام في دار الحديث بدماج ثم عرضته على والدي الشيخ مقبل رحمه الله فقال :الحديث مضطرب فتكلمت معه في هذا فقال :من مع أهل القول الآخر الذين يصححونه أغلبهم متساهلون في التصحيح كابن حبان والحاكم .

وانتهينا بهذا والله تعالى أعلى وأعلم .