جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

الدرس الخامس من ( باب المواقيت) من عمدة اﻷحكام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث اﻷول والثاني قال الإمام الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي رحمه الله
 عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ  وَحَضَرَ الْعَشَاءُ  فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ) .
وعن ابن عمر نحوه.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: (لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ) .
 الشرح
(إذا أقيمت الصلاة )أي صلاة الجماعة.
(وحضر العَشاء ) قال المناوي في فيض القديرفي شرح هذا الحديث :المراد بحضوره وضعه بين يدي الآكل أو قرب حضوره لديه وقد تاقت نفسه له.
 (اﻷخبثان )البول والغائط.
من الفوائد
1-أنه إذاحضر العَشاء في وقت الصلاة فيُقدَّم أكل الطعام .
ولكن لايُتخذُ هذا عادةً أن يقدَّم  الطعام في وقت الصلاة .
2- المحافظة على الخشوع فإن الخشوعَ روحُ الصلاة ولُبُّها .
الخشوع فِي اللُّغَةِ: السُّكُونُ وَالتَّوَاضُعُ وَالْخَوْفُ وَالتَّذَلُّلُ كما في فتح القدير للشوكاني تفسير قوله تعالى { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ }.
وصلاة بلاخشوع  كجسد بلاروح .
وقد أثنى الله عزوجل على الخاشعين في صلاتهم وجعله الله من أسباب دخول الجنة ومن أسباب الفلاح  قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ  الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }.
 ويقول تعالى{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة : 3] .
إقامة الصلاة الإتيان بها قائمةعلى وجهها التام كماقال ابن رجب في فتح الباري .
وإقامة الصلاة قسمان 
إقامةظاهرةوذلك بإقامة أركانهاوواجباتهاومستحباتها .
وإقامة باطنة وذلك بإقامة الخشوع فيها.
والخشوع في القلب ولهذا من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك من علم لاينفع ومن قلب لايخشع ومن نفس لاتشبع ومن دعوة لايستجاب لها) .
وقد ينسب الخشوع إلى الجوارح كما في حديث عن علي في (مسلم)أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ) .
وخشوع السمع بحيث يكون ساكنا مُصغيا .
وخشوع البصر بحيث لايلتفت يميناولايسارا ولايرفع بصره إلى السماء. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة(إنه إختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد )
ومن خشوع البصر أن ينظر موضع سجوده .
وقد تكلم أهل العلم على تغميض البصر في الصلاة وكرهه اﻷكثرون  كما في فتح الباري لابن رجب .
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(1/ 284)كَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: هُوَ فِعْلُ الْيَهُودِ .
وَأَبَاحَهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَكْرَهُوهُ، وَقَالُوا: قَدْ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الصَّلَاةِ وَسِرُّهَا وَمَقْصُودُهَا.اهـ
ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك أحاديث منها :
مارواه البخاري(373) ومسلم (556)عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي».
وأخرج البخاري في صحيحه (374)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي» .
تصاويره أي نقوشه .
وأخرج البخاري(748)ومسلم (907) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، قَالَ: «إِنِّي أُرِيتُ الجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا» .
وهناك من فصَّل في المسألة قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 285)الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ تَفْتِيحُ الْعَيْنِ لَا يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ، فَهُوَ أَفَضْلُ، وَإِنْ كَانَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُشُوعِ لِمَا فِي قِبْلَتِهِ مِنَ الزَّخْرَفَةِ وَالتَّزْوِيقِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَهُنَالِكَ لَا يُكْرَهُ التَّغْمِيضُ قَطْعًا اهـ المراد.
والأدلة تفيدعدم تغميض البصرفي الصلاة حتى وإن كان يجلب الخشوع .
وعلى المصلي أن يحرص على أسباب ما يعين على الخشوع فيستحضر أنه بين يدي ربه لأن الصلاة مناجاة لله عزوجل أخرج البخاري (413 )عن أنس بن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ».
وهذا يعين على استحضارالخشوع أن يستحضر المصلي أنه بين يدي ربه .
 وأن يجاهد نفسه وشيطانه حتى يتخلص من الوساوس في الصلاة ﻷن الوساوس تذهب الخشوع .
والشيطان حريص على شغل المصلي بالوساوس حتى لايدري كم صلى أخرج الإمام مسلم من طريق  أَبِي الْعَلَاءِ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا» قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي» .
 و أن ينحِّي المصلي عنه كل مايشغله ويضعف خشوعه .
وتقدم في حكم مسألة تغميض العينين في الصلاة حديث عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي».
 الخميصة /كساءله أعلام .
وعلى هذا ينبغي أن يكون الفرش الذي يصلى عليه المصلي خاليا من النقوش والخطوط وهكذا السجادات ولاتوضع الساعة في الأمام من أجل لاتشغل المصلين .
وقد كان الوالد الشيخ مقبل رحمه الله يقلب السجادة التي يصلى عليها ويضع النقوشات على اﻷرض خشية الانشغال .
ويقول رحمه الله عن قول بعضهم إنه يتعود مع اﻷيام فلاينشغل بالخطوط والنقوش .
يقول رحمه الله إن قلوبنا ليست بأطهرمن قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال في الخميصة (إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي).
وقال لعائشة(أميطي عني قراميطك فإنه لاتزال تصاويره تعرض لي في صلاتي.)والله المستعان .
3-أهمية الخشوع في الصلاة حيث قدَّم الطعام على فضيلة الصلاة في أول وقتها محافظة على الخشوع . 
والشكاوى كثيرة من قسوة القلوب والسبب في ذلك الذنوب قال سبحانه {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ } [المائدة : 13] .
4-قوله(وحضرالعَشاء فابدؤا بالعشاء) هذا من باب التنصيص على بعض أفراد العام كما قال الإمام الشوكاني في نيل اﻷوطار.
 وحديث عائشة(لاصلاة بحضرة طعام ولاهو يدافع اﻷخبثان)هذا عام في جميع الصلوات .
5- ظاهر الحديث العموم سواء كان محتاجاً للطعام أولا .ولكن جمهور العلماء نظروا إلى العلة وهي الاشتياق  للطعام فإذا كان مشتاقا للطعام يقدم الطعام وإذا كان لايشتاق له فيقدم الصلاة .
وأخرج البخاري (208 )ومسلم (355) عن عمرو بن أمية الضَمْري أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَلْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
قال ابن القاسم رحمه الله في حاشية الروض المربع(2/ 358) ولعل المراد مع عدم الحاجة، جمعا بين الأخبار، ولأن العلة تشوف النفس إلى الطعام، فينبغي أن يدور الحكم مع علته وجودا وعدما اهـ
6-ظاهر الحديث أنه يأكل حتى لو خرج وقت الصلاة وقد أخذ بظاهره الظاهرية .
وأما جمهور العلماء فقالوا إذا كان وقت الصلاة سيخرج فيبدأ بالصلاة لأدلة توقيت الصلاة .وحياة الصحابة رضوان الله عليهم كانت حياتهم اقتصادية ويقتصرون على اﻷكل الخفيف القليل فليس المقصود يأكل ولو خرج الوقت .
وقد ذهب إلى ما دل عليه ظاهر الحديث الوالد الشيخ مقبل رحمه الله فقد سألته عن هذه المسألة أثناء تدريسي في بلوغ المرام سنة 1417 فقال :الحديث على ظاهره يأكل ولو خرج الوقت .
وإذا خالف وصلى وقد حضر الطعام ونفسه مشتاقة إليه فقال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (6/104)متى خالف، وصلى بحضرة طعام تتوقُ نفسه إليه فصلاته مجزئة عند جميع العلماء المعتبرين.
7- استدل بالحديث بعضُهم على أن صلاة الجماعة غير واجبة على الرجال ﻷنه لو كان واجبا ماجاز التخلف عن صلاة الجماعة .
ويجاب عنه أن الحديث يدل على الرخصة عن التخلف عن صلاة الجماعة إذا حضر الطعام فليس فيه دليل على ذلك. وستأتي مسألة وجوب صلاة الجماعة على الرجال في الباب الآتي إن شاء الله .
فلايجوز التخلف إلا لعذر شرعي مثل المرض وفي حق من أكل الثوم والبصل ومادل عليه أيضا حديث عائشة في الباب وما أشبه ذلك والله تعالى أعلم.

الحديث الثالث والرابععَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ - وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ  وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: (لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ  وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ) .
وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ، وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وأَبي هريرةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبِ، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ ومعاذِ بنِ جبلٍ، ومعاذِ بنِ عفراء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ، وعمرِو بنِ عبسةَ السُلَميِّ، وعائشةَ رضي الله عنهم، والصَّنابحيِّ، ولم يسمعْ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم.
[الشرح]
أبو سعيد الخدري : سعد بن مالك بن سنان .
أبوأمامة الباهلي: صُدي بن عجلان .
وقوله (شَهِدَ عِنْدِي )قال ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/76) :شهد عِنْدِي: مَعْنَاهُ بينوا لي هَذَا وأعلموني بِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ إِقَامَة الشَّهَادَة الَّتِي تكون عِنْد الْحُكَّام. وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى: {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} [آل عمرَان: 18] قَالَ الزّجاج: مَعْنَاهُ: بَين.
 في هذين الحديثين بيان اﻷوقات المنهي عن الصلاة فيها .
وأخرج الإمام مسلم (831)عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» .
(قائم الظهيرة )قبل زوال الشمس بنحو ربع ساعة .
وتبين من هذه الأحاديث اﻷوقات المنهي عن الصلاة فيها .
وهي خمسة أوقات على التفصيل
-بعد صلاة الفجر-وحين تطلع الشمس حتى ترتفع -وحين يقوم قائم الظهيرة -وبعد صلاة العصر-وحين تتضيف الشمس للغروب .
 هذه خمسة أوقات .
والنهي عند جمهور العلماء للتنزيه وليس للتحريم .
وهذه اﻷوقات المنهي عن الصلاة فيها عامة مخصوصة بما جاء فيه الدليل ومن ذلك :
- تحية المسجد إذا دخل المسجد وقت الكراهة يصلي لعموم حديث أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»أخرجه البخاري (444)ومسلم (714) .
-صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس قبل المغرب يصلي ولو كان في وقت كراهة لحديث أبي بكرة عند البخاري (1040) عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَصَلُّوا، وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ» .
-من استيقظ من نومه أو كان ناسيا فلم يذكر إلا وقت كراهة لما روى البخاري(597)ومسلم (684)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ: " مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}.
 -ومثل ركعتي الطواف تُصلَّى وقت الكراهة لما أخرج أبوداود (1894)والترمذي(868) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» .
- من صلى الفريضة ثم جاء المسجد وهم يصلون يستحب له أن يصلي معهم لما روى الترمذي في سننه (219)عن يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه  قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ  النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى القَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا» ، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا» ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».
هذه بعض المخصِّصَات.
ذوات اﻷسباب تُصلى ولو كان وقت كراهة  الممنوع التنفل تنفلا مطلقاً من غير سبب .
أما ما رواه  البخاري (935 )ومسلم (852)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا .
الشاهد:وهوقائم يصلي. -هل معناه أنه يتنفل في آخر ساعة من يوم الجمعة مع أنه وقت كراهة؟ .
الْمُرَادَ (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ) أي مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ، وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ كَمَا في صحيح البخاري(176 )عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ».
يُراجع سبل السلام شرح حديث أبي هريرة في ساعة الجمعة .
والله تعالى أعلم.

طريفة

سبب طلب الإمام ابن حزم رحمه الله للعلم
ذكر لنا الوالد الشيخ مقبل رحمه الله أن ابن حزم رحمه الله قبل أن يطلب العلم دخل المسجد فقيل له صلِّ  تحية المسجد فقام يصلي ثم دخل مرةأخرى فقام يصلي تحية المسجد فقيل له إن هذا الوقت وقت نهي فقال ﻷطلبن العلم .
هذا نحو ما أفادنا به الوالد رحمه الله .
وقد نقل القصةَ الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (18/ 199)ترجمة ابن حزم
من طريق وَالِد أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ أَن سَبَبَ تَعَلُّمه الفِقْه أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَة، فَدَخَلَ المَسْجَدَ، فَجَلَسَ، وَلَمْ يَركع، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قُمْ فَصلِّ تحيَّة المَسْجَد.
وَكَانَ قَدْ بلغَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: فَقُمْتُ وَركعتُ، فَلَمَّا رَجَعنَا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الجِنَازَة، دَخَلْتُ المَسْجَد، فَبَادرتُ بِالرُّكُوْع، فَقِيْلَ لِي: اجْلِسْ اجْلِسْ، لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلاَة - وَكَانَ بَعْد العَصْر - قَالَ: فَانْصَرَفت وَقَدْ حَزِنْتُ  ، وَقُلْتُ لِلأسْتَاذ الَّذِي رَبَّانِي: دُلنِي عَلَى دَار الفَقِيْه أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ دحُّوْنَ.
قَالَ: فَقصدتُه، وَأَعْلَمتُه بِمَا جرَى، فَدلَّنِي عَلَى (مُوَطَّأ مَالِكٍ) ، فَبدَأَتُ بِهِ عَلَيْهِ، وَتتَابعت قِرَاءتِي عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَة أَعْوَام، وَبدَأتُ بِالمنَاظرَة اهـ.
وهذاعلى القول بأن تحية المسجد لاتصلَّى في وقت كراهة .
ونستفيد أهمية العلم وأنه نور وبيان سبب طلب ابن حزم رحمه الله للعلم .
-الحديث الخامسعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ , وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا. قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ , فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ , وَتَوَضَّأْنَا لَهَا , فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ. ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ) .
وهذا فيه الترتيب بين الصلوات.
وقد تقدم معنى حديث جابر في حديث علي وابن مسعود الحديث الخامس والسادس في هذا الباب (باب المواقيت). والله أعلم.

 وبهذا نكتفي.