جديد المدونة

السبت، 15 مارس 2025

(60)مواعظ رمضان

 

                             خُلُقُ الصبر   

       

قال تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾[الطور:48].

 

قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ يشمل الحكم الكوني القدري والشرعي الديني.

الحكم الكوني القدري: أقدار الله تَعَالَى، فيصبر على أقداره وقضائه.

والشرعي الديني: يتعلق بالشرع والأوامر والنواهي.

 يراجع «شرح العقيدة الواسطية» (1/274) للشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ.

فأقدار الله الكونية تحتاج إلى صبر ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾، وقال تَعَالَى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾ [لقمان]، وقال: ﴿ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)﴾ [الحج]، ومن لا يصبر على قدر الله سُبحَانَهُ وعلى المؤلمات فإنه يقع في السخط على قدر الله، ولا يستفيد شيئًا، فيفوته الأجر، ويرتكب الوزر ولا ينفعه شيء؛ لأن أقدار الله ماضية، فالمؤمن يذكِّر نفسه، ويُسلِّي على نفسِهِ بقدر الله سُبحَانَهُ، وأنه شيء كتبه الله وقدره ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾ [التوبة: 51]. وقال سُبحَانَهُ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)﴾ [التغابن]، وقال سُبحَانَهُ: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22]، ونبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» رواه البخاري (1469)، ومسلم (1053) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ.

 فالذي يصبر يعالج أموره، ولا يتسخط على أقدار الله عَزَّ وَجَل، فأفضل عطاء وخير عطاء الصبر، فينبغي أن نوطِّن أنفسنا جميعًا على هذا الخُلُقِ الحميد، وهو خلق الصبر، الله عَزَّ وَجَل يقول: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)﴾ [آل عمران:186].

هذا إخبارٌ من الله أنه لا بد من الابتلاء في المال والنفس، ففيه الحث من الصبر، وأنه لا بد من الابتلاءات، ونسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.

والصبر على شرع الله ودينه، لا بد من صبر على الاستقامة، على الطاعة، على تربية الأولاد والأهل، على إقام الصلاة، قال تَعَالَى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾ [طه].

أيضًا الصبر على الصيام والقيام، على مجالسة الصالحين، لا مجالسة المترفين الغافلين، ومن لا يعرفون قدر هذا الدين المتين، قال الله تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾ [الكهف:28].

فهذا يحتاج إلى صبر أن يكون جليساتك صالحات زاهدات، قارات في بيوتهن، لا خرَّاجات ولَّاجات؛ لهذا خصه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالحث على الصبر، فالأوامر الشرعية والنواهي تحتاج إلى صبر، صبر في امتثال المأمور، وصبر على ترك المزجور.