جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 11 فبراير 2025

(5)اختصار درس شرح «رياض الصالحين»

 


8- وعَنْ أبي مُوسَى عبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشعرِيِّ رضِي الله عنه قالَ: سُئِلَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنِ الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجَاعَةً، ويُقاتِلُ حَمِيَّةً، ويقاتِلُ رِياءً، أَيُّ ذلِك في سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

هذا الحديث فيه من الفوائد:

·       تفاوت الناس في الجهاد: فمنهم من يقاتل لإظهار الشجاعة بين الناس حتى يقال. ومنهم من يقاتل حميَّة. ومنهم من يقاتل؛ رياءً. ومنهم من يقاتل لله.

·       الحث على النية الصالحة في الأعمال، فمن كانت نيته صالحة قُبِل عمله وأجر عليه، وإن فسدت نيته رُدَّ عمله.

·       وفيه: العدول عن الجواب إذا كان السؤال خاصًّا، والجواب بأشمل وأوسع، فقد ذكر السائل ثلاثة أنواع من أنواع القتال، فعدل النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن الجواب وأجابه بقوله: «مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ»؛ ليعم غيره من أنواع القتال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

9- وعن أبي بَكْرَة نُفيْعِ بْنِ الْحارِثِ الثَّقفِي رَضِي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: «إِذَا الْتقَى الْمُسْلِمَانِ بسيْفيْهِمَا فالْقاتِلُ والمقْتُولُ في النَّارِ» قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فمَا بَالُ الْمقْتُولِ؟ قَال: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» متفقٌ عليه.
« هَذَا الْقَاتِلُ » أي: هذا القاتل يستحق النار.

هذا الحديث فيه من الفوائد:

·       تحريم قتل المسلم أخاه المسلم، وأنه كبيرة من الكبائر، فالمسلم له حرمته في دمه وماله وعرضه أعظم من حرمة الكعبة والاعتداء عليها، يقول عبدالله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: « مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ » رواه الترمذي (2032).

وكون القاتل والمقتول في النار ليس معناه أنهما يكونان في رتبة واحدة من العذاب.

·       وفيه شبهة للخوارج الذين يكفرون بالمعصية، وأهل السنة يقولون: صاحب الكبيرة الموحد تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه.

·       وفيه  رد عليهم، ففيه تسميتهما مسلمين، في قوله: «إِذَا الْتقَى الْمُسْلِمَانِ» مع وجود الاقتتال.

·       وفيه: أن من سعى لعمل وجاهد فيه ثم عجز عنه أنه يكون عاملًا له، ويشمله قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» رواه البخاري (5269 ومسلم (127) عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

والشاهد فيه: أن مفهومه المؤاخذة على العمل السيء، وهذا قد عمل وسعى.

·       وفيه: المؤاخذة على المعاصي التي تستقر في القلب ويطمئن إليها؛ لأنه علَّلَه النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالحرص لا الفعل « إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ».

ويحمل الحديث السابق: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» يحمل على خطرات معاصي القلب التي لم يعقد عليها القلب، فأي معصية تخطر على القلب ولم تستقر فيه فليس عليها مؤاخذة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

10- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «صَلَاةُ الرَّجُلِ في جماعةٍ تزيدُ عَلَى صَلَاتِهِ في سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بضْعًا وعِشْرينَ دَرَجَةً؛ وذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لا يَنْهَزُهُ إِلا الصَّلَاةُ، لا يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلَاةَ، لَمْ يَخطُ خُطوَةً  إِلا رُفِعَ لَهُ بِها دَرجةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطيئَةٌ حتَّى يَدْخلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كانَ في الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تحبِسُهُ، وَالْمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسهِ الَّذي صَلَّى فِيهِ، يقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مالَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ» متفقٌ عليه، وهَذَا لَفْظُ مُسْلمٍ.

وَقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «ينْهَزُهُ» هُوَ بِفتحِ الْياءِ وَالْهاءِ وَبالزَّاي، أَي: يُخْرِجُهُ ويُنْهِضُهُ.

 (صَلَاةُ الرَّجُلِ في جماعةٍ) هذا أيضًا يشمل المرأة.

(بضْعًا) البضع: من الثلاث إلى التسع.

(فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) قال ابن الملقن في « الإعلام»(2/ 364): إحسان الوضوء هو: الإِتيان بفرضه وسننه وآدابه، ويبعد تنزيله على الفرض فقط. اهـ.

 (خُطوَةً)الْخُطْوَةُ بِالضَّمِّ: بُعْد مَا بَيْنَ القَدَمين فِي المشْي، وَبِالْفَتْحِ المَرَّةُ. اهـ «النهاية»(2/51).

من فوائد هذا الحديث:

·       جواز الصلاة في الأسواق.

·       وفيه صحة صلاة المنفرد، وهذا قول الجمهور، بل الجمهور يرون أن صلاة الجماعة مستحبة.

·       أن صلاة الرجل في السوق كصلاته في بيته له أجر ناقص عن أجر الجماعة.

ومضاعفة صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، فهو كما لو صلاها بضعًا وعشرين صلاة، أي: مرة.

·       وفيه فضل الانتظار للصلاة.

وقوله: «مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تحبِسُهُ » أي: كان في صلاة مادام منتظرًا للصلاة.

·       وفيه فضل حسن النية.

·       وفيه فضل الخُطا إلى المساجد، فبكل خطوة يرفع له بها درجة، ويمحى عنه بها خطيئة، وهي من جملة الصدقات.

·       وفيه فضل الجلوس بعد الصلاة في مكانه الذي صلى فيه.

·       وفيه أن الملائكة يدعون للجالس في مصلاه بعد الصلاة، وسواء كان في المسجد أو في غيره.

·       وفيه أن دعاء الملائكة مشروط بأن يبقى في مكانه الذي صلى فيه، وأيضًا ألا يؤذي أحدًا فيه لا بلسانه ولا بفعله، وألا يحدث فيه، سواء أبطل طهارته أو أحدث فيه ببدعة.

وقوله: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ » إذا قُرن الرحمة بالمغفرة فالمغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة لما يستقبل من الذنوب والسلامة منها. وأما إذا انفردت الرحمة فهي تشمل المغفرة.

وكذلك التوبة والاستغفار إذا اقترن أحد اللفظين بالآخر فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة طلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من الذنوب.