جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 12 يناير 2019

(34)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله


حكم التساهل في الغيبة اتكالًا على دعاء كفارة المجلس



تقول لي امرأة:بعض النساء يتحدثنَ في المجالس ويقعن في الغيبة وأشياء مخالفة،ويتكلنَ على دعاء كفارة المجلس " سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ". فإنه يكفِّر الذنوب ويمحوها.


فتحدثتُ مع والدي رحمه الله فأنكر هذا الفعل وقال كلامًا معناه:أن هذا خطأ في فهم الدليل.



قلت:لا بُدَّ مِنْ توضيحٍ لهذه المسألة حتى لا يغالِط الإنسان نفسَه،ويلبِّس عليه شيطانُه ويغرُّه.


فدعاء كفارة المجلس لا يكون مبرِّرًا لتعمُّد الوقوع في المعصية،والمعصية الواحدة ظلمة ووِحْشة،ومن أسباب الزيغ والإعراض عن الحق،قال تعالى:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)}[الصف]،وقال تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)}[المائدة].

فما يُدرَى أنهنَّ بسبب ذلك يكُنَّ في سلك الفاسقين،وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.


قال ابن القيم رحمه الله في«الداء والدواء»(17):كثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل، ثم قال: "أستغفر الله" زال أثر الذنب، وراح هذا بهذا!

وقال لي رجل من المنتسبين إلى الفقه: أنا أفعل ما أفعل، ثم أقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة، وقد غفر ذلك أجمعه، كما صحّ عن النبي  صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حُطّتْ عنه خطاياه ، ولو كانت مثلَ زبَدِ البحر" .

وقال لي آخر من أهل مكة: نحن أحدنا إذا فعل ما فعل اغتسل  وطاف  بالبيت أسبوعا،وقد محي عنه ذلك.

قال:وهذا الضرب من الناس قد تعلّق بنصوص الرَّجاء، واتّكل عليها، وتعلق بها بكلتا يديه. وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء.اهـ

إنَّ مثل هذا المجلس يعدُّ مجلسَ منكر فلا يجوز حضوره إلا لتغيير المنكر،قال تعالى:{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}[الفرقان].



ويجدر التنبيه هنا أنه لا يقال في التوبة من ذنب الغيبة لا بُدَّ مِنْ تحلُّلٍ من المغتاب.

قال ابن القيم رحمه الله في«الوابل الصيب»(141): يذكر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول «اللهم اغفر لنا وله» ذكره البيهقي في الدعوات الكبير وقال: في إسناده ضعف.

وهذه المسألة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد  وهما: هل يكفي في التوبة من الغيبة للاستغفار للمغتاب، أم لا بد من إعلامه وتحليله؟

 والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها.

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

والذين قالوا لا بد من إعلامه جعلوا الغيبة كالحقوق المالية.

والفرق بينهما ظاهر، فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها.

وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك،ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمى به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبيحه ولا يجوزه فضلًا عن أن يوجبه ويأمر به، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها.والله تعالى أعلم.






استفدت من والدي رحمه الله:أن المرأة إذا أمَّتِ النساء تتقدم كما يتقدم الرجل ولا تقف وسطهن لأن الأصل عموم التشريع،والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:صلوا كما رأيتموني أُصلِّي.


قلت لوالدي رحمه الله:قد جاء عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أنهما كانتا تقف وسط النساء في الإمامة بالنساء.ألا يكون هذا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكون فيه سنة تقريرية؟


فأجابني:هذا لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالراوي عن أم سلمة وعائشة من التابعين.


فهكذا أفادني رحمه الله أنَّ هذا الفعل موقوف على أم سلمة وعائشة.

وبعدُ :فهذا الذي نعتقده جواز الأمرين:التقدم على النساء والوقوف وسطهن،وأن السنة في إمامة المرأة للنساء أنها تتقدم عليهن تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد قال تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}[الأحزاب].

ومَنِ اقتدت بعائشة وأم سلمة فأمَّت النساء ووقفت وسطهن فالأمر واسع،سيما وهو قولُ جمهور العلماء أخذًا بالموقوف على عائشة وأم سلمة ،وقالوا:لأنه أستر للمرأة.

وعليه فلا ينبغي فتح جدالٍ ونزاعٍ وتشويش على العاميَّات.ونسألُ اللهَ الحكمة.






كان عندنا رجلٌ جزائري في دار الحديث هو وأهله ثم سافر إلى السعودية وأخبرتني أهله أنَّ زوجها يدرس عند الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي.


فأخبرتُ والدي رحمه الله لأنه كان يهمُّه أمرَ طلبتِه ويفرح بثباتهم على العلم.

فسُرَّ رحمه الله بذلكَ وأثنى على الشيخ الأثيوبي خيرًا.




                      الذي يلي الإمام


عَنْ قَيْسِ بنِ عَبَّادٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً فَنَحَّانِي، وَقَامَ مَقَامِي فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلَاتِي، فَلَمَّا انْصَرَفَ فَإِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ:«يَا فَتَى،لَا يَسُؤْكَ اللَّهُ،إِنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا أَنْ نَلِيَهُ». ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ:«هَلَكَ أَهْلُ الْعُقَدِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» - ثَلَاثًا - ثُمَّ قَالَ:«وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِمْ آسَى، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا» قُلْتُ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ مَا يَعْنِي بِأَهْلِ الْعَقْدِ؟ قَالَ:«الْأُمَرَاءُ».رواه النسائي(808).


هذا الحديث مرَّ معنا في درس الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين الحديث الثامن فيه.


وعند قراءة قولِ الفتى:«فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً فَنَحَّانِي، وَقَامَ مَقَامِي فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلَاتِي».

ضحِكَ والدي رحمه الله -تعجُّبًا مِنْ حِرْصِ الفتى على الفضل،وما أصابه من الحُزْنِ وتشوُّش الفِكْر حتى لم يدرِ كيف كانت صلاتُه حيثُ نحَّاه أُبَيٌّ رضي الله عنه من الصفِّ الأوَّل،وذلك لأنه ليسَ مِنْ أولي الأحلامِ والنهى.وقد أخبره أُبَيٌّ بعد الصلاة أنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يليه أهلُ الفضل.