حرص الابن الصالح على الاستفادة من أبيه العالم
عَنْ
سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي:
يَا أَبَتِ! إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلَيٍّ، أَفَكَانُوا
يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ،
إِلَّا أَبَا دَاوُدَ.
في هذا الحديث من الفوائد:
حرص الولد الصالح على الاستفادة من أبيه
بالسؤال وكذا بالمجالسة، وهذا من محاسن الولد ومكارمه وشرفه، الاعتناء بعلم أبيه
وأقاربه، كالجد والأخ والعم، وقد بوب لذلك أهل الحديث: رواية الأبناء عن الآباء.
فمن
الأبناء من يستفيد من أبيه العالم، كـ عبدالله بن عمر بن الخطاب استفاد من أبيه،
عبدالرحمن بن أبي حاتم استفاد من أبيه أبي حاتم الرازي، عبدالله بن الإمام أحمد بن
حنبل استفاد من أبيه.
وهناك سلسلات من رواية الحفيد عن أبيه عن جده،
وهذه معالٍ يتنافس فيها المحدثون، مثل: سلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، بهز بن
حكيم عن أبيه عن جده -وهو معاوية بن حيدة-، والبركة من الله، فكم من ابن لم يستفد
شيئًا من أبيه، مع أنه يُرحل إليه، ويُتمنى الجلوس بين يديه!
شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث كان
له ابن وكان يقول له: اذهب إلى هشام الدستوائى، فيقول: أريد أن أرسل الحمام. فقال
شعبة بن الحجاج: سميت ابني سعدًا، فما سعد ولا أفلح. «ميزان الاعتدال»(2/ 122)
ترجمة سعد بن شعبة.
وجاء عن الإمام مالك- ولكن في السند شيء، مر
معي في «المحدث الفاصل»- أنه كان يحدث ومعه ولد يدخل ويخرج، ما جلس، والإمام مالك
جالس والطلاب جالسون، فشعر أنهم شعروا بهذا، فقال: الأدبُ أدبُ الله، لا أدبُ
الآباءِ والأُمَّهات، والخيرُ خيرُ اللهِ، لا خيرُ الآباءِ والأمَّهَات.
فالهداية بيد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي
دار الحديث بدماج من الآباء من عجزوا في تربية أبنائهم، وفي حضورهم الحلقات؛ لأن الهداية بيد الله، نسأل
الله أن يهدينا ويوفقنا.
ويذكرني هذا بنصيحة لبعض أخواتنا حفظها الله
عند أن زارتنا من الإمارات، قَبْل وفاة والدي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رَحِمَهُ
الله، بنحو خمس سنين أو نحو ذلك، فزارت دار الحديث بدماج، وجلسنا معها، وذكرت قصة:
أن سعيد بن المسيب عند أراد أن يخرج من عند زوجته لطلب الحديث، قالت: إلى أين؟ قال:
إلى أبي هريرة، قالت: اجلس، فعلم أبي هريرة عندي.
وسعيد بن المسيب هو متزوج بابنة أبي هريرة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقالت لي تنصحني: فهكذا كوني، علم أبيك عندك!
بعض
النصائح ثمينة نفيسة، من لم ينتفع بها أو قصَّر لا بد أن يندم، وأن
يتذكرها ويتفتت فؤاده؛ ندمًا وحزنًا.
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي... فالنُّصحُ
أغلى ما يُباعُ ويُوهَبُ
وعسى الله أن ينفعنا بالنصائح القيمة.
وأخرى أيضًا -وهي أختنا أم حذيفة الليبية
شفاها الله وعافاها- قدَّمَتْ لي نصيحة، وقالت: نريد أن يكون معكِ مسائل عن أبيك،
كعبدالله بن أحمد بن حنبل.
الله أكبر، ما أجلَّ وأعظمَ توارد هذه النصائح!
وقد ذكرتُ كلامَها -الله يعلم- لوالدي
رَحِمَهُ الله، فنظر إليَّ وابتسم، وكأنه رَحِمَهُ الله يقول: ومجالسنا هذه ما هي؟
فما أحسن العلم!
وكم
من أخواتنا وبناتنا في بيوت علم وبيوت سنة، فنسأل الله أن يوفقهن لطلب العلم، الذي
هو من أعظم الطرق التي توصل إلى الجنة، «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ
عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» رواه مسلم (2699)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ونأسف والله على بعض البنات وعلى من
يسر الله لهم سبل العلم، ومع ذلك يفرطون ويتكاسلون، وسبل الخير أمامهم وبين أيديهم
وهم ينحازون، اللهم وفقنا وإياهم يا رب العالمين.
[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل
رَحِمَهُ الله]