المراد بالإصلاح في
آية الشورى
قال تَعَالَى: ﴿فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)ِ﴾[الشورى].
قال السعدي في «تفسيره»(760): يجزيه
أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا.
وشرط الله في العفو الإصلاح فيه؛ ليدل ذلك على
أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه
في هذه الحال لا يكون مأمورًا به.
وقال الشيخ ابن
عثيمين في تفسير آية ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ
وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
(263)﴾ من سورة البقرة:
فيه:
الحث على المغفرة لمن أساء إليك.
لكن هذا الحث مقيَّدٌ بما إذا كانت المغفرة
إصلاحًا؛ لقوله تعالى: ﴿فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾[الشورى: 40].
أما إذا لم تكن المغفرة إصلاحًا، مثل أن أغفر
لهذا الجاني، ثم يذهب، ويسيء إلى الآخرين، أو يكرر الإساءة إليَّ، فإن الغفر هنا
غير مطلوب.
وقال رَحِمَهُ
الله في تفسير قوله تَعَالَى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ
لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ
بِإِحْسَانٍ﴾ من سورة البقرة رقم الآية(178): لكن العفو المندوب إليه ما كان فيه
إصلاح؛ لقوله تعالى: ﴿فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾[الشورى: 40].
فإذا كان في
العفو إصلاح، مثل أن يكون القاتل معروفًا بالصلاح، ولكن بدرت منه هذه البادرة
النادرة، ونعلم أو يغلب على ظننا أنا إذا عفونا عنه استقام، وصلحت حاله، فالعفو
أفضل لا سيما إن كان له ذرية ضعفاء، ونحو ذلك؛ وإذا علمنا أن القاتل معروف بالشر،
والفساد، وإن عفونا عنه لا يزيده إلا فسادًا، وإفساداً فترك العفو عنه أولى؛ بل قد
يجب ترك العفو عنه. اهـ.
فاستفدنا
مما سبق:
أن العفو المطلوب عن المسيء يكون بشرط الإصلاح
لا الإفساد، بحيث إنه إذا عفا عنه يستقيم ويصلح حاله.
أمَّا إذا كان
سيجره العفو إلى التمادي في الاعتداء والإفساد فهذا لا يُعفى عنه؛ لأنه ليس من
الإصلاح، ولو عفا عنه العافي لا يكون مصلحًا.