قال شيخ الإسلام: (مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفسَهُ فِي سُورَةِ الإِخلاصِ) (السورة): هي عبارة عن آيات من كتاب الله مسوَّرة، أي: منفصلة عما قبلها وعما بعدها، كالبناء الذي أحاط به السور. اهـ من «شرح العقيدة الواسطية»(1/139)لابن عثيمين.
واختلفوا من أي شيء اشْتُقت السورة؟ قيل: من الإبانة والارتفاع، وقيل: لشرفها وارتفاعها كسور البلدان.
وجمع سورة سُوَر، وقد يجمع على سُوَرَات وسُورَات.
(سُورَةِ الإِخلاصِ) قولان في تسمية هذه السورة بسورة الإخلاص، أحدهما: أنها اختصت بذكر صفات الله تَعَالَى، الثاني: أن من قالها مؤمنًا بما فيها يكون قد خلص من الشرك ويكون موحدًا.
(الَّتِي تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ) والدليل: أن النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ» رواه البخاري (5013) عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ.
ومن فضائل هذه السورة: روى البخاري (7375)، ومسلم (813) عَن عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقرَأُ لِأَصحَابِهِ فِي صَلاَتِهِم فَيَختِمُ بِقُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيءٍ يَصنَعُ ذَلِكَ؟»، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَن أَقرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَخبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ».
وهذا الحديث الأخير: نستفيد منه الرد على من أنكر أن يقال: صفات الله سُبحَانَهُ، وقد جاء هذا عن ابن حزم.
وتكلم أهل العلم على كون هذه السورة تعدل ثلث القرآن، أشهرها: أن القرآن على ثلاثة أقسام: أحكام، وقصص، وتوحيد. وهذه السورة أخلصت في توحيد الله.
وهذا هو أحسن ما قيل، كما قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح العقيدة الواسطية».
قوله رَحِمَهُ الله:(حَيثُ يَقُولُ: ﴿ قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَم يَلِد وَلَم يُولَد (3) وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ﴾ [الإخلاص] .
﴿قُل هُوَ﴾ أي: الشأن الله أحد.
هذه ثلاثة أسماء لله في هذه السورة: (اللَّهُ) بمعنى المألوه أي: المعبود، (أَحَدٌ) فيه إثبات صفة الأحدية لله، فالله واحد في ذاته وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، (الصَّمَدُ) في معناه أقوال: السيد، ومنهم من قال: الذي لا جوف له، ومنهم من قال: هو الذي تصمد إليه الخلائق حوائجها، ولا منافاة بين هذه المعاني.
والمراد بقولهم: لا جوف له، قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح العقيدة الواسطية»(1/142): يعني: لا أمعاء ولا بطن، ولهذا قيل: الملائكة صمد؛ لأنهم ليس لهم أجواف، لا يأكلون ولا يشربون. اهـ.
ويجوز أن يقال للمخلوق صمد، إذا كان يقصده الناس لقضاء حوائجهم.
وقدم سُبحَانَهُ ﴿ لَم يَلِد ﴾ على ﴿ وَلَم يُولَد ﴾ لأهمية الرد على من ينسب الولد لله؛ فإن هذه فرية شنيعة، قال تَعَالَى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحمَنُ وَلَدًا لَقَد جِئتُم شَيئًا إِدًّا﴾ [مريم] الآيات.
قوله سُبحَانَهُ: ﴿ لَم يَلِد وَلَم يُولَد ﴾ فيه الرد على من يدعي لله ولدًا، كاليهود الذين يقولون: عزير ابن الله، والنصارى الذين يقولون: المسيح ابن الله، والمشركين الذين يقولون: الملائكة بنات الله.
﴿ وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾الكفو: الشبيه والنظير.
واشتملت هذه السورة العظيمة على إثبات ثلاثة أسماء لله: لفظ الجلالة الله، الأحد، الصمد.
وأفاد الأحد نفي المشاركة والمماثلة، وأفاد اسم الله الصمد أن الله مستحق لجميع الكمال.
واشتملت على نفي الفروع (الأولاد) والأصول (الأبوان)، ونفي الشبيه والنظير. وهذا النفي يستفاد منه إثبات ضده من الكمال لله.
واجتمع في هذه السورة الصفات الثبوتية والصفات السليبة.