(تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ) هذا يأخذ ثم هذا يأخذ الماء، وأما زيادة ابن حبان، ففيها: أنه قد تلتقي أيديهما في الإناء.
قال الصنعاني رَحِمَهُ اللهُ في «سبل السلام»(1/347): وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَالْجَوَازُ هُوَ الْأَصْلُ. اهـ.
ونستفيد من هذا الاستنباط الذي أفاده الصنعاني رَحِمَهُ الله:
أن غسل الزوجين معًا جائز، ولم يقل بالاستحباب بل أتى بلفظة جائز، وهذا يدل على أنه مباح، بخلاف مستحب يدل على أنه يثاب إذا فعله.
قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح بلوغ المرام»(1/346): فإن قال قائل: لماذا لا يجعلونه سنة؟
قلنا: هذا لا يظهر فيه أثر التعبد، والظاهر أنه من قسم المباح، نعم إذا كان يؤدي إلى قوة المحبة والمودة والائتلاف قلنا: إنه يسن؛ من أجل هذا الغرض النبيل؛ لأنه إذا ارتفعت الكلفة بين الزوجين إلى هذا الحد، فإن المودة سوف تزداد وتقوى. اهـ.
وإذا نوى الاقتداء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يثاب ويؤجر، مع ما ذكر الشيخ ابن عثيمين من المعاني.
وفيه أيضًا من الفوائد:
حسن عشرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لأهله، فهو يغتسل معها من إناء واحد، وقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حفيًّا بنسائه رحيمًا، حتى إنه كان يسابق عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كما روى أبو داود في «سننه» (2578) عن عائشة أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» الحديث في «الصحيح المسند» (1609) لوالدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُ اللَّهُ.
وعائشة كانت شابة صغيرة، توفي عنها النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وهي بنت ثمانية عشر عامًا، فتحتاج إلى التدليل أكثر من غيرها، وفي المرة الأولى سابقها فسبقته، ثم بعد أن حملت اللحم -أي: سمنت- سابقها فسبقها، فمازحها النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وقال لها: «هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ».
وكان النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يساعد أهله؛ فقد سئلت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ» رواه البخاري( 6039).
وفي رواية خارج البخاري: «فإذا حضرتِ الصَّلاةُ فكأنَّه لم يعرفْنا ولم نعرفْه»، وسندها ضعيف.
وفيه جواز نظر الزوج إلى عورة امرأته والعكس.
وأما ما جاء عَنْ مَوْلًى لِعَائِشَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، أَوْ قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ» رواه الترمذي في «الشمائل»( 342)، فهذا فيه مبهم، والله أعلم.
ويدل لذلك قول الله سُبحَانَهُ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المعارج:29 - 31]، فحفظ الفرج يكون بحفظه عن الزنا، وبحفظه عن النظر إليه عدا الزوجة؛ فلا عورة بين الزوجين.
[مقتطف من 33 من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]