جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 8 ديسمبر 2023

(180)الاختيارات العلمية لوالدي رَحِمَهُ الله

 

من سافر لطلب العلم و نوى الإقامة أشهرًا أو بعض السنوات هل يقصر؟

 

كان من طلاب والدي الذين جاؤوا لطلب العلم يقصرون وهم عندهم نية الإقامة بعض السنين.

ولمَّا علِمَ والدي رَحِمَهُ الله بذلك أنكره وقال: هذا مقيم ولا يصدق عليه أنه مسافر لا شرعًا ولا لغة ولا عُرفًا، أو بهذا المعنى.

قلت: وإليكم نص فتوى الشيخ ابن عثيمين في الجواب عن سؤال:

فضيلة الشيخ نحن طلبة ندرس في إحدى الدول الغربية، ولكن نواجه مشكلة وهي: اختلاف الفتاوى في الصلاة: هل تجمع وتقصر، أم تقصر فقط، فماذا تقولون بالتفصيل وفقكم الله؟

الجواب

 هذه المسألة يا إخواني مبنية على خلاف العلماء رحمهم الله، إذا أراد المسافر أن يقيم في مكان مدةً محددة معلومة، فهل له أن يقصر الصلاة أو لا؟ أكثر العلماء يقولون: لا يقصر الصلاة إذا زادت إقامته عن خمسة عشر يومًا، وبعضهم يقول: أربعة أيام.

وبعضهم يقول: أربعة أيام لا يحسب منها يوم الدخول والخروج.

وبعضهم يقول: تسعة عشر يومًا.

وقد ذكر الحافظ النووي رحمه الله في كتابه «شرح المهذب»عشرين قولًا أو أكثر من عشرين قولًا في هذه المسألة.

والقول الراجح: أنه ما دام الإنسان مسافرًا فهو مسافر حتى لو حدد المدة، وحتى لو زادت على أربعة أيام أو عشرة أو عشرين أو ثلاثين، هو مسافر، والدليل على هذا:

 أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سافر وأقام عدة إقامات مختلفة وهو يقصر الصلاة، أقام في غزوة الفتح في مكة تسعة عشر يومًا، وأقام في تبوك عشرين يومًا، وأقام في حجة الوداع عشرة أيام وكلها يقصر، ولم يرد عنه حرف واحد يقول: من نوى أكثر من أربعة أيام أو أكثر من خمسة عشر يوماً لزمه الإتمام؛ أبدًا، وإنما كان يقصر ما دام على سفر، وقد أطلق الله تبارك وتعالى هذا الحكم فقال: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] ولم يحدد.

إذًا لا إشكال عندي في أن هؤلاء المبعوثين للدارسة يقصرون الصلاة.

ثم قال: هذا هو القول الراجح عندي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله، ومشايخ آخرين على أن ذلك غير محدد.

وقال رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع»(4/378): نقول: إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله من أن المسافر مسافر ما لم ينوِ واحدًا من أمرين:

1 ـ الإِقامة المطلقة.

2 ـ أو الاستيطان.

والفرق: أن المستوطن نوى أن يتخذ هذا البلد وطنًا، والإِقامة المطلقة أنه يأتي لهذا البلد ويرى أن الحركة فيه كبيرة، أو طلب العلم فيه قوي فينوي الإِقامة مطلقًا بدون أن يقيدها بزمن أو بعمل، لكن نيته أنه مقيم؛ لأن البلد أعجبه إما بكثرة العلم وإما بقوة التجارة، أو لأنه إنسان موظف تابع للحكومة وضعته كالسفراء مثلًا، فالأصل في هذا عدم السفر؛ لأنه نوى الإِقامة فنقول: ينقطع حكم السفر في حقه.

أما من قيد الإِقامة بعمل ينتهي أو بزمن ينتهي فهذا مسافر، ولا تتخلف أحكام السفر عنه.