جديد الرسائل

الاثنين، 8 أبريل 2019

(1) اختصار الدرس الأول من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية




الصيام لغة: الإمساك. 


 ومن معاني الصوم لغةً:


السكوت عن الكلام ومنه قول مريم رحمها الله ورضي عنها: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)﴾ [مريم]فالساكت يقال له صائم. 


إمساك الريح عن الهبوب يقال: ريح صائمة.


 وقوف الخيل بغير أكلٍ ولا حركة ومنه قول الشاعر:

خَيلٌ صِيـــــــــــامٌ وَخَيــــــــلٌ غَيرُ صــــــــــــائِمَةٍ
...
تَحتَ العَجاجِ وَأُخرى تَعلُكُ اللُّجُما

 وصيام الخيل: إذا كانت قائمة بغير اعتلاف ولا حركة. «الزاهر في معاني كلمات الناس» (1/ 46) لابن القاسم الأنباري.

و(العَجاجِ) الغبار والتراب.


الصيام: شرعًا: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله.

قوله رحمه الله: عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ.

الحديث حسنه والدي الشيخ مقبل رحمه الله تعالى في «الصحيح المسند» (745).

قوله رحمه الله: وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ: يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: «فَأَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ أَنْ يَقُومُوا وَأَنْ يَصُومُوا».

الحديث ضعيف، لأنه من رواية سماك عن عكرمة، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، وأيضا أُعِلَّ بالإرسال، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار شرح هذا الباب: أنه قال النسائي عن المرسل: إنه أولى بالصواب.

المرسل: هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله رحمه الله: وَعَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاَللَّهِ لَأَهَلَّ الْهِلَالُ أَمْسِ عَشِيَّةً فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَأَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ.

 الحديث صحيح.

قوله رحمه الله: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي شُكَّ فِيهِ فَقَالَ: أَلَا إنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلْتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَانْسُكُوا لَهَا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتَمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

هذا الحديث صححه الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «إرواء الغليل» (909).


 ويوم الشك هو اليوم الثلاثون من شعبان إذا كان فيه غيم أو قتر غبار ونحوه حال دون رؤية الهلال.والحديث دليل أنه لا يجوز صيام يوم الشك.



استفدنا من أحاديث الباب العدد الذي يثبت به دخولُ هلال شهر رمضان وخروجه، وفي مسألة دخوله ثلاثةُ أقوالٍ لأهل العلم:

v   منهم من ذهب إلى أنه يثبت دخول هلال شهر رمضان بشهادة رجل مسلم عدل؛ لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6]. مفهوم الآية أنه إذا جاء خبر العدل نقبله، ولحديث عبد الله بن عمر: «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ».

ولحديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ..الخ.

وقد ذهب إلى هذا القول أحمد في المشهور عنه والشافعي في قولٍ له وابن المبارك وغيرهم.


v   وقال بعضهم لا يثبت دخول شهرِ رمضان إلا بشاهدين اثنين لقول الله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [البقرة: 282].

 وللأحاديث التي فيها شهادة اثنين كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا».وقد ذهب إلى هذا القول مالك والليث والأوزاعي وإسحاق، والقول الأول هو الصحيح فحديث ابن عمر دليل فاصلٌ في هذه المسألة.


والجواب عن الآية الكريمة ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [البقرة: 282]أنها لا تعارضُ حديثَ ابن عمر لأنها في الحقوق وما شابه ذلك.


 والجواب عن الأحاديث التي فيها ذكر شاهدين أنها لا مفهوم لها من عدم قبول خبر الواحد، لأنها يعارضها دليل منطوق، وإذا تعارض مفهوم ومنطوق قُدِّم المنطوق على المفهوم.

v   القول الثالث: قول أبي حنيفة أنه يقبل خبر الواحد في الغيم، أما في الصحو فلا يقبل إلا عن جماعة، وحجة هذا القول أنه لا يجوز أن تنظر الجماعة إلى مطلع الهلال فيراه واحد دون الباقين. ينظر المغني لابن قدامة مسألة (2108 و شرح المنتقى نيل الأوطار شرح أحاديث الباب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: إذا أخبرت المرأة برؤية هلال رمضان؟

v   ذهب أبو حنيفة إلى قبول خبر المرأة وهو أحد الوجهين عند الشافعية، قالوا:لأنه خبر ديني فأشبه الرواية،قاسوا خبر المرأة في رؤية هلال رمضان بقبول روايتها.

v               ومنهم من ذهب إلى أن لا يقبل فيه قول المرأة،وهذا هو الصحيح عند الشافعية كما فيالمجموع(6/284)للنووي،وذهب إليه الشيخ ابن باز في «مجموع الفتاوى» (15/ 62)،وكذا استفدنا من والده الشيخ مقبل رحمه الله، ولكنه كان يقول:تعمل المرأة برؤيتها هي، وأما عموم الناس فلا، لأن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، والله أعلم.

 وللفائدة تراجع المسألة في «المغني» (3/165)لابن قدامة.