جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 5 نوفمبر 2023

(22)اختصار درس التفسير

 

(2)اختصار تَفسِيرُ سُورَةِ النُّورِ

[سورة النور (24): آية 3]

﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ فسر ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ ﴿ لَا يَنْكِحُ ﴾ بالوطء، أي: لا يطأ، واستدل لهذا بما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِالنِّكَاحِ، إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاعُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ. أي: ليس هذا بعقد نكاح.

والذي رجح الصنعاني وقبله الإمام أحمد، وهو الذي رجحه ابن القيم في «زاد المعاد» أيضًا أن النكاح في الآية بمعنى التزويج، أي: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الزَّانِي لِعَفِيفَةٍ وَلَا عَكْسُهُ..

ويدل لتفسير النكاح في الآية بالزواج سبب نزول هذه الآية؛ فإن سبب النزول قطعي الدخول في الحكم.

﴿وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال ابن كثير: أَي: تَعَاطِيهِ، وَالتَّزَوُجَ بِالبَغَايَا، أَو تَزوِيجُ العَفَائِفِ بِالرِّجَالِ الفُجَّارِ.

يشمل معنين كما يفيده كلام ابن كثير: تحريم الزنا، وتحريم نكاح الزناة، فالعفيف لا يتزوج بزانية، والعفيفة لا تتزوج بزاني، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ﴾ وقوله سبحانه: ﴿ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾[ النساء:25].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مَثْلَهُ». هذا الحديث حسن، وذكره والدي رَحِمَهُ الله في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين»(1868).

فما حكم  عقد العفيف بالزانية والعفيفة بالزاني هل يصح؟

ذهب الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ إلى أن العقد باطل لا يصح؛ للأدلة السابقة إلا من عُلم توبته، فمن تاب تاب الله عليه، الزاني إذا تاب من ارتكاب فاحشة الزنا أو زانية تابت، فيصح زواج العفيف بها وزواج العفيفة به، التوبة تجب ما قبلها. يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ». أخرجه البخاري واللفظ له (6439 ومسلم (1048) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.

وسبب نزول هذه الآية: روى الترمذي (3177) عن عمرو بن العاص: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَكَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْأُسَارَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ: لَهَا عَنَاقٌ، وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، الحديث وفيه:  فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحُ عَنَاقًا، أَنْكِحُ عَنَاقًا-مَرَّتَيْنِ-؟ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَرْثَدُ، ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ فَلَا تَنْكِحْهَا» .

الحديث في «الصحيح المسند من أسباب النزول» (142) لوالدي رَحِمَهُ الله.

فَأَمَّا حَدِيثُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي امْرَأَةً هِيَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَهِيَ لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ؟ قَالَ: «طَلِّقْهَا» قَالَ: لَا صَبْرَ لِي عَنْهَا. قَالَ: «اسْتَمْتِعْ بِهَا».

هذا الحديث فيه إشكال مع الآية ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً ﴾، ولكنه من حيث السند رفعه منكر، فقد رفعه عبدالكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، وخالفه هارون بن رئاب وهو ثقة فرواه مرسلًا.

وضعف الحديث والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله.

واختلف العلماء في معنى قوله: لا ترد يد لامس.

 فقيل: معناه الفجور، وأنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة.

وقيل: معناه التبذير وأنها لا تمنع أحداً طلب منها شيئًا من مال زوجها.

مسألة: جمهور أهل العلم على جواز نكاح العفيف بالزانية والعفيفة بالزاني، واختلفوا  في هذه الآية:

فمنهم من ادعى أن هذه الآية منسوخة، ومنهم من يؤول كما سبق أن المراد: لا يطأ إلا زانية أو مشركة.

والصحيح أن الآية محكمة وأنها تشمل الوطء والعقد.

ومن قال: إن هذه الآية منسوخة. فهذه دعوى، أو أوَّل الآية بأن المراد لا ينكح أي: لا يطأ، هذا أيضًا مردود في حق من اقتصر على هذا المعنى؛ بدليل سبب نزول الآية.

وأما الاستدلال بقوله تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾[النور:32] قالوا: هي ناسخة لآية ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً ﴾ وهذا ليس بصحيح؛ فالآية عامة مخصوصة بالزانية.

من المسائل المستفادة في هذا الدرس:

·    تحريم الزنا وأنه لا يقع من مؤمن، والمراد كامل الإيمان.

·    تحريم نكاح الزاني بالعفيفة والعكس.

·    أن عقد العفيف بالزانية لا يصح والعكس.

·    التفريق بين الزوجين إذا زنا أحدهما وكان الآخر عفيفًا.

·    سبب نزول هذه الآية، قصة مرثد في استئذانه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينكح عناقًا.

أما حديث «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ» فهو يوافق معنى الآية.

·    اختلاف جمهور أهل العلم في هذه الآية كما سبق، فمنهم من يرى أن الآية منسوخة- وهذا ليس بصحيح فهي محكمةومنهم من يؤولها بالوطء لا الزواج.

·    إشكال في حديث «وَهِيَ لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ»، وأهل العلم ما بين مضعف له وما بين متأول له.

·    المراد بالديوث وهو من لا غيرة له.

·    أن من تاب من زناه فيجوز تزويجه.