(3)اختصار تَفسِيرُ سُورَةِ النُّورِ
[سورة النور (24): الآيات 4 إلى 5]
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ﴾ إلى قوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)﴾
﴿ الْمُحْصَناتِ﴾ المحصنات، جمع محصنة، قال ابن كثير: (وَهِيَ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَفِيفَةُ) سواء كانت متزوجة، أو غير متزوجة، الحكم عام في رمي المحصنين والمحصنات الأحرار البالغين.
قال الشوكاني في «فتح القدير»(4/9): وَخَصَّهُنَّ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُنَّ أَشْنَعُ، وَالْعَارَ فِيهِنَّ أَعْظَمُ.
قال: وَيَلْحَقُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وإذا رمى الحرُّ العبد وليس عنده بينة، فهل يجلد ثمانون؟
قال القرطبي رَحِمَهُ الله في «تفسيره»(12/174): أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُجْلَدُ لِلْعَبْدِ إِذَا افْتَرَى عَلَيْهِ؛ لِتَبَايُنِ مَرْتَبَتِهِمَا، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام: «من قذف مملوكه بالزنا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ». خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَدًا وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ قال ابن كثير: فَأَوجَبَ عَلَى القَاذِفِ، إِذَا لَم يُقِمِ البَيَّنَةَ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ: أَحَدَهَا: أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. الثَّانِي: أَنَّهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ أَبَدًا. الثَّالِثَ: أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا لَيْسَ بِعَدْلٍ لَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدَ النَّاسِ.
من الفوائد:
· تحريم القذف بالزنا، وأنه من كبائر الذنوب.
· ثبوت الزنا بشهادة أربعة. فهذه الآيات دليل على أن الشهود يكون عددهم أربعة، فلو كانوا أقل من أربعة فلا يقبل، وعليهم حد القذف.
وثبوت الزنا: إما أن يكون بأربعة شهداء، أو باعتراف الزاني، أو الحَبَل.
· وفيه أن القاذف بالزنا يلزمه أن يأتي بأربعة شهود.
إلا إذا اعترف المقذوف بالزنا فيسقط حد القذف إذا لم يأتِ بشهود.
· إقامة حد القذف، وهو الجلد ثمانون جلدة، إذا لم يكن معه أربعة شهود.
· ظاهر الآية أنه يلزم القاذف أن يأتي بأربعة شهود غيره.
· وصف من لم يأت بأربعة شهداء بالفسق والكذب.
ويشترط في الأشخاص القاذفين:
أن يكونون ذكورًا، العدالة، العقل، والبلوغ، وأن يكونوا أحرارًا.
· وفيه جواز النظر إلى عورة الزانيين إن كانوا أربعة؛ ليأتوا بالشهادة.
وفي قوله سبحانه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ هذا مختلف فيه هل هذا الاستثناء يعود إلى الجملتين: الأولى ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَدًا﴾ والثانية ﴿ وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ﴾، أم يعود إلى أنه لا تقبل منهم الشهادة؟
قولان مشهوران لأهل العلم: قول جمهور أهل العلم إلى أنه يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، وأنه يرتفع عنه الفسق بتوبته دون الشهادة، وذهب إليه جماعة من أهل العلم.
والقول الأول هو الصحيح أنه يعود إلى الجملتين؛ لأن التوبة تهدم ما قبلها.
أما الجملة الأولى وهو الجلد، فلا إشكال أن الاستثناء لا يعود إلى الجملة الأولى، قال الحافظ ابن كثير: أَمَّا الْجَلْدُ فَقَدْ ذَهَبَ وَانْقَضَى، سَوَاءٌ تَابَ أَوْ أَصَرَّ، وَلَا حُكْمَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ.
· وفيه سعة رحمة الله، فالقاذف إذا لم يأت بالشهداء وتاب تاب الله عليه.
· وفيه حرمة عرض المسلم، واجتناب أذاه.