جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 2 نوفمبر 2023

(18) اختصار درس روضة الأفهام في شرح بلوغ المرام

 

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

المسح لغة: إمرار اليد على الشيء، وشرعًا: إصابة البِلَّة لحائل مخصوص في زمن مخصوص. كما قال ابن القاسم.

(عَلَى الْخُفَّيْنِ) تثنية خف، وهو: ما يستر الكعبين. فإن كان أدنى من الكعبين أو تجاوز الكعبين كثيرًا لا يسمى خفًّا.

وأدلة المسح على الخفين متواترة، وقد أُدخل المسح على الخفين في كتب العقيدة مع أنه يتعلق بالفقه؛ وذلك لأنه وُجد من ينكر المسح على الخفين.

والذين أنكروا شرعية المسح على الخفين: المعتزلة والخوارج.

ومن شبههم: أنهم استدلوا بأدلة غسل الرجلين، فأخذوا بطرفٍ من الأدلة وتركوا الطرف الآخر.

وابن عبد البر رَحِمَهُ اللهُ يقول: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَخْذُولٌ أَوْ مُبْتَدِعٌ خَارِجٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. «التمهيد»(11/134).

الشيعة أنكروا المسح على الخفين، عندهم المسح مباشرة على بشرة الرِّجْلِ، وتشبَّثوا بقراءة الجر ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ﴾، ولكن لأهل العلم أجوبة عنها، منها:

أنها قراءة شاذة.

أنها تُحمل على المسح على الخفين.

 أو أنه جُرَّ أرجل؛ للمجاورة.

فالآية ليس فيها متشبَّث للشيعة في المسح على القدمين من غير خُفٍّ ولا جورب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

58-عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وهذا كان في سفر كما في رواية للبخاري (206) عَنْ المغيرة بن شعبة قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ.. الحديث.

«فَأَهْوَيْتُ» أي: مددت يدي.

من الفوائد:

·                خدمة أهل العلم والفضل.

·                مشروعة المسح على الخفين.

·                أن من شرط المسح على الخفين الطهارة، فلو لبسهما على غير طهارة لا يمسح.

·                ومن شروط المسح على الخفين: أن يكون في حدثٍ أصغر، وأما الغسل فيلزمه خلعهما، والدليل حديث صفوان بن عسال قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ. الشرط الثالث: أن يكون في المدة المحدودة، للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام.

·                التعليل في الحكم.

مسألة: لا يلزم أن ينوي إذا لبس خفيه على طهارة المسح.

«فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» وإذا غسل رجله اليمنى ثم لبس خفه ثم غسل الأخرى فهذا جائز، وقد ذهب إليه جماعة من أهل العلم، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه يصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين.

 وذهب جمهور أهل العلم إلى ظاهر هذا اللفظ «فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» وقالوا: لا يجزئه في المسح على الخفين؛ لأنه لبس الخف قبل إكمال الطهارة.

 وأما الوضوء فهو صحيح عندهم جميعًا.

«فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» هذا اللفظ محتمل أن يكون النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه معًا، ومحتمل أنه بدأ بالرجل اليمنى ثم اليسرى كما هو من عادته صلى الله عليه وسلم البدء بالأيمن، الأمر واسع.

والمسح يكون باليد اليمنى، يبدأ بمسح اليمنى ثم اليسرى لعموم أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

59-وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلَّا النَّسَائِيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

فيه عنعنة الوليد بن مسلم، وهو يدلس تدليس التسوية، وفيه انقطاع وإرسال أيضًا.

وهذا الحديث استدل به من قال: يمسح الخف أعلاه وأسفله، وهذا قول مالك والشافعي وعمدتهم هذا الحديث الضعيف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

60-وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

«لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى» لأن أسفل الخف هو الذي يباشر الأرض.

من الفوائد:

·                مسح ظاهر الخفين-وهو أعلاه-دون أسفله.

·                عدم مسح العقبين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمسح ظاهره.

·                ذم الرأي الذي يخالف النص، وأما الرأي الذي لا يخالف النص وإنما يستعان به على فهم الأدلة فهذا محمود.

·                وفيه أن طريقة السلف ذكر المسألة بدليلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

61-وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَلا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ.

قوله: (وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ) أي: نمسح من الحدث الأصغر.

من الفوائد:

·                تعليم أحكام السفر.

·                وفيه أن المسح على الخفين يكون من الحدث الأصغر.

·                وفيه ذكر ثلاثة أشياء من نواقض الوضوء: الغائط، والبول، والنوم، والمراد النوم المستغرِق.

·                وفيه أن المسح على الخفين يبطل بالحدث الأكبر.

 كذلك يبطل المسح على الخفين إذا نزعهما بعد المسح. فيبطل المسح على الخفين بهذين الأمرين.

وهنا مسألة: أيهما أفضل أن يمسح على خفيه أو ينزعهما؟

لم يكن من هدي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يتكلف، فإن كان لابسًا لخفيه مسح عليهما، وإن لم يكن لابسًا لخفيه غسل رجليه. ذكر هذه المسألة ابن القيم في «زاد المعاد» المجلد الأول عن شيخه شيخ الإسلام.