جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 15 أكتوبر 2023

(61) العلم وفضلُه

 

أيهما يكون رفعة لصاحبه شرعًا: خدمة أهل العلم، أم خدمة الملوك والرؤساء؟

خدمة أهل العلم شرف وفضل لمن يقوم بذلك، وأم سليم جاءت بابنها أنس إلى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» رواه البخاري (6344)، ومسلم (2480) عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

فخدم النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عشر سنين، وهذا فيه فضل خدمة أهل العلم، والحرص على القرب منهم، وطلب الدعاء منهم.

وروى البخاري (143)، ومسلم (2477) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

 

إن خدمة أهل العلم نعمة وسعادة؛ يستفيد علمًا، وأخلاقًا، ودينًا وأخرى، ويزداد إيمانًا.

إنه يُعان على نفسِهِ؛ فما كان من تقصير أُعين على تكميل النقص، وما كان من عيوبٍ أُعين على إصلاحِ نفسِهِ وتهذيبها، وقد تحصل له دعوة يسعد بها في دنياه وأخراه.

فمجالسة أهل العلم غنيمة وسعادة؛ لأنهم كالغيث أينما حلوا نفعوا.

 ولا بأس بذكر أثرٍ منتشر في آداب الطالب؛ لبيان حاله، وهو:

 عن علي بن أبي طالب أنه قال في وصاياه لطالب العلم: وَلَا تُعْرِضَ -أَي: تَشبَع- مِنْ طُولِ صُحْبَتِهِ.

ولكنه أثر ضعيف؛ أخرجه الخطيب رَحِمَهُ الله في «جامعه» (350)، من طريق معضَلة، وفي «الفقيه والمتفقه» (856) من وجه آخر معضل أيضًا.

وأخرجه ابن عبد البر رَحِمَهُ الله في «جامعه» (1/ 501) من وجه آخر، وفيه: سليمان بن عمرو النخعي، كذاب. كما في «الميزان».

وذكره النووي في مقدمة «المجموع»(1/36) بزيادة: فَإِنَّمَا هُوَ كَالنَّخْلَةِ تَنْتَظِرُ متى يسقط عليك منها شيء.

وأما الذي يخدم الملوك إنما يخدمهم لأجل الدنيا؛ لحطام فانٍ زائل، وقد يكون تحت وطأة الذلة والاستصغار والاحتقار، وقد يقع في بعض صفات المنافقين؛ يمدحه بما ليس فيه، يأتيه بعدة وجوه، يتزلَّف له ويكذب، ويبتسم له وهو يكرهه...، «يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا».

 فهنيئًا لمن عرف فضل العلم وأقبل عليه ونافس فيه، إنه يسلك طريق الجنة التي هي أعلى مطالب كل مؤمن ومؤمنة.

إنه زاد عظيم، قال تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)﴾  [طه].

إنه طريق تأهُبٍّ واستعداد للآخرة، ولقاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

روى البخاري (71)، ومسلم (1037) عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

وروى الإمام أحمد في «مسنده» (30/ 9) عن زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ، قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ» وهو في «الصحيح المسند» (505) لوالدي رَحِمَهُ الله.

وأخرجه الآجري في «أخلاق العلماء»(37)عن صَفْوَان بْن عَسَّالٍ الْمُرَادِيّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ فَقَالَ: «مَرْحَبًا يَا طَالِبَ الْعِلْمِ إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ، وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَبْلُغُوا سَمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ حُبِّهِمْ؛ لِمَا يَطْلُبُ».

اللهم زدنا علمًا نافعًا، وعملًا متقبلًا، واستعملنا في طاعتك يا ربنا.