[سورة المؤمنون (23) : الآيات 101 إلى 104]
﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ قال ابن كثير: (يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةُ النُّشُورِ) والنشور البعث.
﴿فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ قال ابن كثير: (أَيْ: لَا تَنْفَعُ الْأَنْسَابُ يَوْمَئِذٍ). وهذه الآية مخصَّصة بنسب النَّبِيِّ ﷺ «كُلُّ نَسَبٍ وَصِهْرٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا نَسَبِي وَصِهْرِي».
قال ابن كثير في «الفصول»: وَمِنَ الخَصَائِصِ أَنَّ كُلَّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ يَنقَطِعُ نَفعُهُ وَبِرُّهُ يَومَ القِيَامَةِ، إِلَّا نَسَبَهُ وَسَبَبَهُ وَصِهرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فعرفنا أنه لا ينتفع أحد بقريبه ولا يعطف عليه إلا النَّبِيِّ ﷺ فإنه ينفع أهل نسبه بالشفاعة ونحوها، وهذا للمؤمن منهم ومن كان على نهجه وهداه.
وأيضًا ليس المراد أنه يوم القيامة تنقطع الأنساب فلا يقال: فلان بن فلان، إنما المراد: عدم المنفعة والرحمة والتعاطف. قال الشنقيطي رَحِمَهُ اللهُ في «أضواء البيان» (5/ 356): الْمُرَاد بِنَفْيِ الْأَنْسَابِ انْقِطَاعُ آثَارِهَا، الَّتِي كَانَتْ مُتَرَتِّبَةً عَلَيْهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا، مِنَ التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ، وَالنَّفْعِ وَالْعَوَاطِفِ وَالصِّلَاتِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَكُونُ الْإِنْسَانُ لَا يُهِمُّهُ إِلَّا نَفْسُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْأَنْسَابِ مِنْ أَصْلِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} الْآيَةَ [عبس: 34 - 35]. اهـ.
فهذا نستفيد منه: أن الإنسان لا يتكل على النسب.
﴿ وَلا يَتَساءَلُونَ ﴾ كقوله تعالى كما قال ابن كثير: ﴿وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [الْمَعَارِجِ: 10- 11] أَيْ: لَا يَسْأَلُ القريب عن قَرِيبَهُ وَهُوَ يُبْصِرُهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَوْزَارِ مَا قَدْ أَثْقَلَ ظَهْرَهُ، وَهُوَ كَانَ أعز الناس عليه فِي الدُّنْيَا مَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ وَلَا حَمَلَ عَنْهُ وَزْنَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ)، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴾ [عبس: 34- 37].
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ قال ابن كثير: أَيْ: مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ.
﴿فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ قال ابن كثير: أَيِ: الَّذِينَ فَازُوا فَنَجَوْا مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُوا الْجَنَّةَ.
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ قال ابن كثير: أَيْ: ثَقُلَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ.
﴿فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ قال ابن كثير: أَيْ: خَابُوا وهلكوا وفازوا بِالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ.
﴿فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ ﴾ قال ابن كثير: أي: ماكثون فيها دائمون مقيمون فلا يَظْعَنُونَ.
﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ أي: تغشى وجوههم النار بحرها ولهبها. قال ابن كثير: (كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إبراهيم: 50] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 39]) وهذا من تفسير القرآن بالقرآن.
﴿وَهُمْ فِيها كالِحُونَ﴾ معناه عبوس في وجوههم كما يظهر على وجه من دهمه خبر مفزع، مع تقلص الشفاه عن الأسنان، قال الزجاج في «معاني القرآن»(4/23): والكَالِحُ الذي قَد تَشَمَّرتْ شَفَتُه عَنْ أَسنانِه.
v من الفوائد
· بعض مشاهد يوم القيامة.
· أن الأنساب لا تنفع يوم القيامة ولا يعطف أحد ولا يلوي أحد على أحد.
· إنه لا يسأل أحد عن أحد حتى القريب لا يسأل عن قريبه، ولا تنافي بين هذا، وبين قوله تعالى:﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)﴾[الطور]. فيوم القيامة يوم طويل، المنفي في وقت، والمثبت في وقت آخر.
· وفيه أن أعمال بني آدم تجمع يوم القيامة وتوزن.
والناس ينقسمون يوم القيامة إلى ثلاثة أقسام:
من رجحت حسناته على سيئاته فهو مفلح ناجٍ لا يدخل النار، قال القرطبي في «التذكرة»(730): والذي تدل عليه الآي والأخبار أن من ثقل ميزانه فقد نجا وسلم، وبالجنة أيقن، وعُلم أنه لا يدخل النار بعد ذلك، والله أعلم.
من رجحت سيئاته على حسناته فهو خاسر.
والثالث: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ومآلهم إلى الجنة، وهم أصحاب الأعراف.
وينظر «لقاء الباب المفتوح»(14 / 18) لابن عثيمين.
· تشويه الكفار وعذابهم بحرق وجوههم، وتقلص شفاههم، وهي أشرف الأعضاء، فيصيرون في أقبح منظر وأسوئِه، الوجه محروق، والشفاه تقلصت، والأسنان بادية. أما المسلم فإنه إن دخل النار بذنوبه، فإن النار لا تأكل ولا تحرق أعضاء السجود
كما في «صحيح البخاري»( 7437): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، الحديث وفيه: أن النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ». ومواضع السجود هي الوجه، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، وهذا من فضائل الصلاة.