قوله رَحِمَهُ اللهُ: (الأَصلُ الثَّانِي: مَعرِفَةُ دِينِ الإِسلَامِ بِالأَدِلَّةِ)
فدين الإسلام يعرف إجمالًا وتفصيلًا بالأدلة، لا بالدعاوى والتقليد ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) ﴾[الأعراف: 3].
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَهُوَ الاستِسلَامُ لِلهِ بِالتَّوحِيدِ، وَالانقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالبَرَاءَةُ مِنَ الشِّركِ وَأَهلِهِ)
هذا تعريف الإسلام شرعًا. أما لغة: فهو الاستسلام والانقياد.
والإسلام على قسمين:
كوني قدري وهو: استسلام جميع الخلق كلهم لله.
وشرعي ديني وهو: الاستسلام لأحكام الله الشرعية.
(بِالتَّوحِيدِ) قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله: أي بأن يستسلم العبد لربه استسلاما شرعيًّا، وذلك بتوحيد الله وافراده بالعبادة.
(والِانْقِيَادُ): الْخُضُوعُ. الانقياد لله ظاهرًا، هذا عمل الجوارح، وباطنًا وهو عمل القلب.
(بِالطَّاعَةِ) امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
(وَالبَرَاءَةُ مِنَ الشِّركِ وَأَهلِهِ) لا يتم التوحيد لأحد ولا يصح لأحد حتى يتبرأ من الشرك والمشركين، قال تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة:256].
والذين يدعون إلى وحدة الأديان، دعوتهم دعوة إلى الوثنية والشرك بالله.
(وَهُوَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: الإِسلَامُ، وَالإِيمَانُ، وَالإِحسَانُ) هذه مراتب الدين، ويدل لهذه المراتب حديث جبريل عليه الصلاة والسلام، فقد سأل النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، ثم قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
فائدة: الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا فيكون الإيمان عمل الباطن، والإسلام عمل الظاهر، وإذا افترقا اجتمعا يعني: يشمل كلًّا منهما الآخر.
(وَكُلُّ مَرتَبَةٍ لَهَا) أي: كل مرتبة من مراتب الدين لها أركان.
(فَأَركَانُ الإِسلَامِ خَمسَةٌ: شَهَادَةُ أَن لَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَومُ رَمَضَانِ، وَحَجُّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ)
دليله عن ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رواه البخاري (8)، ومسلم (16).
الشهادة: الإخبار بالشيء مع اعتقاد صحته وثبوته.
(وَإِقَامُ الصَّلَاةِ)
الصلاة لغة: الدعاء.
واصطلاحًا: عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
وقيد الصلاة بالإقامة يفيد معنى زائدًا على ذكر الصلاة وحده؛ فإقام الصلاة: الإتيان بالصلاة على الوجه التام المشروع.
(وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ)
الزكاء لغة: النماء والزيادة.
وشرعًا: حق يجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في زمن مخصوص.
(وَصَومُ رَمَضَانِ)
الصيام لغة: الإمساك.
واصطلاحًا: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله.
(وَحَجُّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ)
الحج لغة: القصدُ.
اصطلاحًا: فهو القصد إلى بيت الله الحرام في زمن مخصوص لأداء أعمال مخصوصة.
الزمن المخصوص هي أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
(فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18]) هذه الآية فيها شهادة الله لنفسه بالتوحيد وأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له.
وفيها فضل الملائكة وأهل العلم، فقد استشهد الله بهم على توحيده.
معنى (لا إله إلا الله): (لَا مَعبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ).
أركان (لا إله إلا الله): نفي، وإثبات. (لا إله) نفي لجميع ما يعبد من دون الله. (إلا الله) إثبات العبودية لله وحده لا شريك له.
قال: (كَمَا أَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلكِهِ) كما أنه لا شريك له في ملكه وخلقه وتدبيره فكذلك لا شريك له في عبادته.
قال: (وَتَفسِيرُهَا الَّذِي يُوَضِّحُهَا) أي: تفسير (لا إله إلا الله).
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) ﴾ [الزخرف: 26-28].
﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ أي: خلقني.
﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ أي: يرشدني ويوفقني.
﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً ﴾ وهي كلمة التوحيد.
﴿ فِي عَقِبِهِ ﴾ أي: ذريته.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ أي: يرجعون إلى التوحيد والإنابة والتوبة.
(وَقَولُهُ: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) ﴾[آل عمران: 64])
أهل الكتاب: اليهود والنصارى.
﴿ أَرْبَابًا ﴾ جمع رب، أي: لا نُنزِّل أحدًا منا منزلة الرب، فيُصرف له عبادة أو يتَّبع في التشريع.
﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ أي: من غير الله.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ أي: فإن أعرضوا.
﴿ فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) ﴾أي: مستسلمون منقادون لله.
(وَدَلِيلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾[التوبة: 128]) هذه الآية دليل أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أرسله الله إلى هذه الأمة.
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: من جنسكم. وفي قراءة ﴿ أَنْفَسِكُمْ ﴾ أي: أشرفكم.
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ أي: يشق عليه ما يشق عليكم. العنت: المشقة.
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي: على هدايتكم ومنفعتكم.
﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ في هذه الآية جاء تخصيص رحمة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين، فهذه رحمة خاصة، وفي قوله تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) ﴾[الأنبياء: 107] رحمة عامة، فالنبي صلى الله عليه وسلم رحمة حتى بالكفار، رحيم بهم يدعوهم إلى الجنة والمغفرة.
(وَمَعنَى شَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصدِيقُهُ فِيمَا أَخبَرَ، وَاجتِنَابُ مَا عَنهُ نَهَى وَزَجَرَ، وَأَن لَّا يَعبَدَ اللهَ إِلَّا بِمَا شَرَعَ) هذا معنى شهادة أن محمدًا رَسُول اللَّهِ الله.
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ أمر شرعي ديني.
﴿ حُنَفَاءَ ﴾ الحنيف: هو المقبل على الله المعرض عما سواه.
﴿ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ أي: الثلاثة الخصال: الإخلاص لله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
القيمة، أي: الملة المستقيمة.
(وَدَلَيلُ الصِّيَامِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾ [البقرة: 183])
الكتابة نوعان: كتابة شرعية دينية.
وكتابة كونية قدرية.
وفيه فضل الصيام؛ لأن الله شرعه لهذه الأمة وللأمم المتقدمة.
(وَدِلِيلُ الحَجِّ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ﴾[آل عمران: 97])
هذه الآية نزلت في السنة التاسعة، وهي دليل من قال: لم يفرض الحج إلا في السنة التاسعة.
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ هذا إذا كان جاحدًا لركن الحج، فإنه يكفر ويكون خارجًا من هذه الملة.
أما إذا لم يكن جاحدًا ولكنه متساهل، فإنه مفرط وآثم إذا كان قادرًا على الحج، ولكنه لا يخرج من الملة، نسأل الله العافية.