[سورة المؤمنون (23) : آيتان 91 -92]
﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)﴾
﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ﴾. أي: لو كان هناك تعدد آلهة لانفرد كل إله بخلقه وملكه ويتصرف فيه بما شاء.
﴿ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ أي: ويطلب كل منهما غلبة الآخر وقهره كما يفعل ملوك الدنيا.
الله عز وجل يحاجُّ من يعبد غيره ويدعو غيره، بأنه لو كان هناك تعدد آلهة لما انتظم الكون، ولاختلَّ النظام العلوي والسفلي، والواقع يشهد أن الخلق منتظم في غاية الكمال ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ﴾[الملك : 3 ].
قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (وَالْمُتَكَلِّمُونَ ذَكَرُوا هَذَا الْمَعْنَى، وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِدَلِيلِ التَّمَانُعِ، وَهُوَ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ صَانِعَانِ فَصَاعِدًا، فَأَرَادَ وَاحِدٌ تحريك جسم والآخر أراد سُكُونَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَا عَاجِزَيْنِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ مُرَادَيْهِمَا؛ لِلتَّضَادِّ، وَمَا جَاءَ هَذَا الْمُحَالُ إِلَّا مِنْ فَرْضِ التَّعَدُّدِ، فَيَكُونُ مُحَالًا، فَأَمَّا إِنْ حَصَلَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْآخِرُ الْمَغْلُوبُ مُمْكِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِصِفَةِ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ مقهورا.)
المتكلمون: هم أهل الكلام أخذوا من هذه الآية أصلًا وسموه دليل التمانع.
وتوضيحه كما قال ابن كثير: (وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ صَانِعَانِ-خالقان- فَصَاعِدًا -فأكثر-فَأَرَادَ وَاحِدٌ تحريك جسم والآخر أراد سُكُونَهُ) أحدهما يريد تحريك جسم والآخر يريد سكونه عن الحركة. وأحدهما يريد أن يكون هذا حيًّا، والآخر يريد أن يكون ميتًا، وهذا يريد أن تشرق الشمس من المشرق، والآخر يريد أن تشرق الشمس من المغرب.
فهذا إِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَا عَاجِزَيْنِ، والعاجز لا يستحق أن يكون ربًّا إلهًا معبودًا. وإن حصل مراد أحدهما دون الآخر، أي: غلب أحدهما الآخر كان العاجز لا يستحق أن يكون ربًّا إلهًا؛ لأنه مقهور مغلوب.
وأما اجتماع مراديهما فهذا مستحيل، أي: لا يمكن؛ للتضاد، فلا يكون الشيء متحركًا ساكنًا في وقت واحد، ولا حيًّا ميتًا في وقت واحد وهكذا.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا) يذكرون الواجب على قسمين: واجب الوجود، وممكن الوجود. واجب الوجود هو الله عَزَّ وَجَل، وممكن الوجود المخلوق.
قوله: (وَمَا جَاءَ هَذَا الْمُحَالُ) السابق ذكره، أي: المستحيل أن يكون الشيء متحركًا ساكنًا، جالسًا ماشيًا إلى غير ذلك.
قوله: (إِلَّا مِنْ فَرْضِ التَّعَدُّدِ) أي: تعدد الآلهة.
قوله: (فَيَكُونُ مُحَالًا) أي: التعدد ووجود الشريك.
v من الفوائد:
· نفي النقائص عن الله، ومنه ادعاء الولد والشريك.
· أن الله لا يحتاج إلى الولد؛ لكمال غناه وهو الغني الحميد.
· وفي هذه الآية عند المتكلمين دليل التمانع، وهو امتناع وجود صانعَين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «درء تعارض العقل والنقل»(9/354): الذي ذكره النُّظَّار عن المتكلمين، الذي سموه دليل التمانع، برهان تام على مقصودهم. وهو: امتناع صدور العالَم عن اثنين، وإن كان هذا هو توحيد الربوبية. والقرآن يبين توحدي الإلهية وتوحيد الربوبية. اهـ المراد.
وكذا قال ابن القيم في «الصواعق المرسلة»(2/464).
واستفدنا من هذا: أن الآية فيها تقرير لتوحيد الربوبية والألوهية، ونفي وجود شريك لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
· وفيه شمول علم الله عزَّ وجلَّ ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾.
· تنزيه الله وتقديسه عن النقائص ودعوى الولد والشريك، ﴿ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ تَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ وَتَعَالَى وَعَزَّ وَجَلَّ عَمَّا يَقُولُ الظالمون والجاحدون.