18-وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الْلَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَ الْأَرْبَعَةِ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ».
الإهاب –وهو: الجلد-يستعمل آنية، ويُستعمل بساطًا، ودِفئًا، ويُجعل فيه النقود، والحبوب، وغير ذلك من المنافع، وخاصة عند المتقدمين.
الإِهابُ: هُوَ الْجِلْدُ. يصدق عليه إهاب قبل الدبغ وبعده، وهذا عام.
وقيل: يقال له: إهاب قبل الدبغ، أما بعد إصلاحه وتطهيرِهِ لا يسمى إهابًا عند بعضهم.
الدبغ: تطهير الجلد.
ويكون بالماء مع بعض المواد المنظفة، مثل: القرظ، وقشور الرمان، والملح، ونحو ذلك من المنظفات. ولا يلزم فيه أن يكون بالتراب، كما هو في تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب.
نستفيد من الحديث:
· نجاسة الميتة.
· جواز الانتفاع بجلد الميتة بعد دبغه وتطهيره.
وهناك حديث عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ، وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ: «أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» رواه أحمد (31/74).
وهذا الحديث أخذ به الإمام أحمد في المشهور عنه، وقال: لا ينتفع بجلود الميتة بعد تطهيرها، ولكن الحديث معارَض بأحاديث الأمر بدباغ جلود الميتة.
وحديث عبدالله بن عكيم مضطرب، ولو ثبت لكان محمولًا على الميتة التي لا يحل أكلها ولا تنفع فيها الذكاة الشرعية: كالكلب، والخنزير، والحمار، ونحو ذلك.
والكلام على جلد الميتة التي لحمها حلال لو ذُكيَت ذكاةً شرعية، يسلخ جلدها ويقام بتطهيرها وتنظيفها حتى تطهر.
أما جلود المذكاة ذكاة شرعية فهي طاهرة، كجلود الغنم والبقر والإبل وغيرها، دُبِغَت أولم تُدبغ. فيكون الأقسام ثلاثة في جلد الحيوان على التفصيل المذكور.
سؤال: هل يجوز أكل جلد الميتة بعد دباغه؟
لا يجوز؛ لأنه جزء من الميتة، وقد قال الله تَعَالَى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ [المائدة: 3].
ويقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟» قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ: قَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا».
وهذا قول أكثر أهل العلم كما في «المغني» لابن قدامة رَحِمَهُ اللهُ.
وهناك قول: يجوز أكله، واستدلوا بحديث:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ دَاجِنَةً لِمَيْمُونَةَ مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا، أَلا دَبَغْتُمُوهُ فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ». رواه أحمد(3/456)، وهو حديث صحيح.
والصحيح ما تقدم، وكونه دبغ الأديم ذكاته، هذا لا يدل أنه يجوز أكله.
مسألة: جلد الذي لا يؤكل لحمه هل يُطهَّر بالدباغ مثل: الحمار، الخنزير، السباع. هذا مختلف فيه بين أهل العلم.
والذي يظهر أن المقصود بالحديث «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وما في معناه المعروف الذي ينتفع بجلده، من الحيوان المعروف الذي يحل لنا أكله، إذا ذكي ذكاة شرعية.
وبعضهم توسع وجعل الحديث عامًا في الحيوان المأكول لحمه وغير المأكول لحمه، بعضهم توسع وأخذ بظاهر عموم اللفظ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
19-وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الْلَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُها» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
هذا الحديث في سنده جون بن قتادة مجهول، والحديث في الشواهد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
20-وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ الْلَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فَقَالَ: «لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا»؟ فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
هذا الحديث من طريق عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَافَةَ، عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ سُبَيْعٍ، عن مَيْمُونَةَ. وعبدالله بن مالك وأمه مجهولان.
القرظ: هُوَ وَرقَ السَّلَم.
والجلد يقال له: إهاب، أديم.