قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَدَلِيلُ التَّوَكُلِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) ﴾ [المائدة].)
التوكل: صدق اعتماد القلب على الله في جلب المنافع وترك المضار.
والتوكل على الله وحده لا شريك له واجب، وتقديم المعمول في قوله تَعَالَى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾ يفيد الحصر، أي: لا تتوكلوا إلا على الله وحده.
وأما التوكل على المخلوق فعلى قسمين:
-شرك أكبر، وهو: أن يعتمد على مخلوق ميِّت في جلب منفعة أو دفع ضرٍّ.
-شرك أصغر، وهو: أن يعتمد على مخلوق حيِّ فيما أقدره الله عليه من المال والمعونة.
-وهناك قسم آخر وهو التوكيل، النيابة في الأعمال الدنيوية جائزة، وقد وكَّل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير واحد من صحابته، كعروة بن مضرس البارقي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكَّله النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شراء شاة.
ونستفيد من الآية: أن التوكل على الله شرط في صحة الإيمان، فلا يتم الإيمان إلا بالتوكل على الله.
وقول الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ أي: كافيه، وهذا فيه فضل التوكل على الله، فمن توكل على الله واعتمد عليه كفاه الله كل سوء.
وبعضهم يقول: توكلت على الله وعلى فلان، وهذا من الألفاظ الشركية، وإذا أتى بلفظ «ثم» بدل الواو: توكلت على الله ثم عليك، فهذا جائز، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز رَحِمَهُ اللهُ.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَدَلِيلُ الرَّغبَةِ وَالرَّهبَةِ وَالخُشُوعِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) ﴾[الأنبياء: 90])
الرغبة: كما قال ابن القاسم في «حاشية ثلاثة الأصول»(62): السؤال والطلب، والابتهال والتضرع.
أيضًا يقول رَحِمَهُ اللهُ: والرهبة: الخوف والفزع.
والخشوع كما قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «مدارج السالكين» (1/518): وَالْحَقُّ أَنَّ الْخُشُوعَ مَعْنًى يَلْتَئِمُ مِنَ التَّعْظِيمِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ.
ومن جوامع أدعية النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث وفيه: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ، مُخْبِتًا، أَوْ مُنِيبًا» رواه أبو داود (1510) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وهو في «الصحيح المسند» (606) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ» الحديث رواه البخاري(247)، ومسلم (2710).
نستفيد من الآية: أن المسارعة إلى الخير من أسباب استجابة الدعاء، فالله ذكر نبيه زكريا واستجابةَ الدعاء له، ثم قال: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾، فمن كان مسارعًا إلى الخير؛ فإنه يُجاب دعوتُهُ بإذن الله.
قال رَحِمَهُ اللهُ: (وَدَلِيلُ الخَشيَةِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ﴾[البقر: 150])
الخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم، كما قال تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]. وكلما كان أكثر علمًا كان أكثر خشيةً لله، يقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» رواه مسلم (1108) عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ.
وخشية الله تكون في السر والعلن؛ ولهذا من جوامع أدعية النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ..» رواه النسائي (1305) عن عمار بن ياسر.
وهناك من يخشى الله بين الناس، فإذا خَلَا وقع في العظائم، وارتكب ذنوب الخلوات، وكأن الله لا يراه ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)﴾ [النساء: 108]. فنسأل الله أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة.
ومن أدلة الحث على خشية الله: قول الله سبحانه في صفات المحسنين ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)﴾ [المؤمنون: 57].
وقال الله مبينًّا جزاء أهل الخشية ﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) ﴾ [البينة: 8].
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَدَلِيلُ الإِنَابَةِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾[الزمر: 54])
والإنابة أعلى مقامات التوبة؛ لأن الإنابة تشتمل على معاني التوبة وزيادة، وهي الإقبال على العبادة، بخلاف التوبة فقد يكون الإقبال على الله ضعيفًا.
شروط التوبة: أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم ألَّا يعود إليها أبدًا، والشرط الرابع في حقوق الآدمي: أن يرجع الحقوق إلى أهلها، حقوق الآدميين مبنية على المشاحَّة، وحقوق الله مبنية على المسامحة؛ فلهذا يوم القيامة يكون القصاص في المظالم التي تكون بين العباد، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء، كما قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» رواه البخاري (6864)، ومسلم (1678) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود.
﴿ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾أي: استسلموا لله بطاعته.
الإسلام على قسمين:
كوني قدري: فالكل خاضع لله مستسلم له قهرًا وقدرًا وملكًا، قال الله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)﴾ [آل عمران: 83].
وشرعي ديني: وهو: الاستسلام لأحكام الله الشرعية، ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾.