جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 9 فبراير 2023

(163)الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله

 

قرأ والدي رَحِمَهُ الله سؤالًا في الدرس:

شخص يتمنى أنه رسولُ الله فما حكم ذلك؟

فأنكر عليه والدي، وقال: الله عَزَّ وَجَل يقول: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾[الأنعام:124]. 

 

قلت: وللفائدة هذا داخل في الاعتداء في الدعاء- والتمني داخل في أنواع الطلب- قال تَعَالَى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾ [الأعراف].

وقد ذكر ابن القيم رَحِمَهُ الله أنواعًا وأشياءَ داخلة في الاعتداء، وعلَّق على هذه الآية في «بدائع الفوائد»(3/12) بما يلي:

 قيل: المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء وغير ذلك.

قال: فالاعتداء بالدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله، من الإعانة على المحرمات.

 وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل: أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة. أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب.

 أو يسأله أن يطلعه على غيبه.

 أو يسأله أن يجعله من المعصومين.

 أو يسأله أن يهب له ولدًا من غير زوجة ولا أمة ونحو ذلك، مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضا في الدعاء.

وبعدُ فالآية أعم من ذلك كله، وإن كان الاعتداء في الدعاء مرادًا بها، فهو من جملة المراد، والله لا يحب المعتدين في كل شيء، دعاء كان أو غيره كما قال: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)﴾[البقرة].  وعلى هذا فيكون قد أمر بدعائه وعبادته، وأخبر أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانًا؛ فإن أعظم العدوان الشرك، وهو وضع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لا بد أن يكون داخلًا في قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)﴾ [الأعراف].

ومن العدوان أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء مدل، كالمستغني بما عنده المدل على ربه به. وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتدٍ.

 ومن الاعتداء أن تعبده بما لم يشرعه، وتثني عليه بما لم يثنِ به على نفسه، ولا أذن فيه؛ فإن هذا اعتداء في دعاء الثناء والعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب.

 وعلى هذا فتكون الآية دالة على شيئين: أحدهما محبوب للرب تبارك وتعالى مُرْض له، وهو الدعاء تضرعا وخفية، الثاني: مكروه له مبغوض مسخوط، وهو الاعتداء، فأمر بما يحبه الله وندب إليه، وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو أبلغ طرق الزجر والتحذير، وهو أنه لا يحب فاعله، ومن لم يحبه الله فأي خير يناله وفي قوله: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾ [الأعراف] عقب قوله: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (55)﴾ [الأعراف] دليل على أن من لم يدعه تضرعا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم. فقسَّمت الآية الناس إلى قسمين: داعٍ لله؛ تضرعا وخفية، ومعتد بترك ذلك. اهـ المراد.

تنبيه: ذِكْرُ ابن القيم في الاعتداء في الدعاء: أو يسأله أن يجعله من المعصومين.

هذا ليس على إطلاقه، إنما يكون اعتداء في الدعاء إذا أراد كعصمة الأنبياء. وقد سألت والدي رَحِمَهُ الله عن الدعاء: اللهم إني أسألك العِصْمة، فأجابني أنه لا شيء فيه.