جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 8 يناير 2023

(51) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 

[هَل مِنَ خَصَائِصِ الأنبياء أَنَّ من لَبِسَ لَأمَةَ الحَربِ لَا يَخلَعُهَا حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ]

اللَّأْمَة مَهْموزة: الدِّرْع. وَقِيلَ: السِّلاح. ولَأْمَةُ الحَرب: أدَاتُه. «النهاية»(4/220).

قد ذكر هذا بعضهم من خصوصيات الأنبياء أن من لبس لباس الحرب من السلاح والدروع ونحو ذلك فيحرم عليه أن يخلعها حتى يقاتل أو يقضي الله أمرًا آخر، مثل: أن يهزم العدو، ودليل هذا قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَا يَنبَغِي لِنَّبِيِّ إِذَا أَخَذَ لَأمَةَ الحَربِ أَن يَرجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ» وهذا الحديث علقه البخاري في تبويب حديث (7369) من غير ذكر القصة، وقد رواه الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ بتمامه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وفيه أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدْرُس وهو مدلس وقد عنعن؛ لم يصرح بالسماع عن جابر بن عبدالله، ولكن للحديث بعض الشواهد.

وصنيع ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد» يدل على أن هذا ليس من الخصوصية، فقد استنبط في «زاد المعاد»(3/189) فوائد من قصة غزوة أحد، وذكر منها:

 أَنَّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ، وَتَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْخُرُوجِ حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ وُجُوبُ المُشَاوَرَةِ؟

عدَّ بعضهم من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وجوب مشاورة الصحابة في أمور الحرب ونحوها، واستدلوا بقوله تَعَالَى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، والصحيح أنه ليس من الخصائص؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غني عن المشاورة، ولكن فعل ذلك لأجل أن يقتدي الحكامُ بعده، وهذا يكون دليلًا على عدم الخصوصية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ وُجُوبُ مُصَابَرَةِ العَدُوِّ وَإِن زَادُوا عَلَى الضِّعفِ؟

وهذا عده بعضهم من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو قول الشافعية، والدليل أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال في صلح الحديبية: «فَإِن أَبَوا فَوَاللهِ لَأَقَاتِلَهُم-يَعنِي: قُرَيشًا-عَلَى هَذَا الأَمرِ حَتَّى تَنفَرِدَ سَالِفَتِي» رواه البخاري (2731).

وما رواه الإمام مسلم (1775) عن عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الحديث وفيه قَالَ: فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكُفُّهَا إِرَادَةَ ألَّا تُسْرِعَ. الحديث.

فاستدلوا بهذين الدليلين وما في معناهما أنه يجب على النّبِيّ صلى الله عليه وسلم المصابرة عند لقاء العدو، وإن زاد العدد على الضعف.

 والذي يظهر أنه ليس هناك خصوصية؛ لأن الله تَعَالَى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ [آل عمران: 200]. وأن الحكم واحد للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، وأما ما استُدل به على الخصوصية فليس كذلك، ولكنه يدل على شجاعة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإقدامه وغيرته على دين الله عَزَّ وَجَل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصَّفِيُّ مِنَ المَغنَمِ مِن خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم

وما هو الصفي؟ هُوَ: أَن يَختَارَ فَيَأخُذَ مَا يَشَاءُ: عَبدًا، أَو أَمَةً، أَو سِلَاحًا، أَو نَحوَ ذَلِكَ قَبلَ القِسمَةِ.

من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان له الصفي من الغنيمة، ومن الأدلة عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفِيِّ» رواه أبو داود (2994وهو في «الصحيح المسند» (1617) لوالدي رَحِمَهُ الله.

قَالَ ابْن عبد الْبر رَحِمَهُ اللهُ: سهم الصفي مَشْهُور فِي صَحِيح الْآثَار مَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم، وَلَا يخْتَلف أهل السّير فِي أن صَفِيَّة مِنْهُ، وَأجْمع الْعلمَاء على أنه خَاص بِهِ، وَذكر الرَّافِعِيّ أن ذَا الفقار كَانَ من الصفي. نقله عنه السيوطي رَحِمَهُ اللهُ في «الخصائص الكبرى»(2/421).

قال ابن كثير: كَانَ لَهُ خُمسُ خُمسِ الغَنِيمَةِ، وَأَربَعَةُ أَخمَاسِ الفَيءِ، كَمَا هُوَ مَذهَبُنَا، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.

الغنيمة: ما أخذ من مال الكفار بقتال، والفيء: ما أُخِذَ من مال الكفار بغير قتال.

ومصرف الغنيمة مذكورٌ في قول الله تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(41)﴾[الأنفال: 41].

وفي الآية دليل أن الغنيمة تقسَّمُ إلى خمسة أسهم، ثم يجعل أربعة على جهة.

 والسهم الخامس يقسم إلى خمسة، وخمس الغنيمة يكون لله عَزَّ وَجَل ولرسوله، والأربعة التي هي من الخمس يكون سهم لذوي القربى-أقرباء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم، وزاد بعضهم بني عبد المطلبوسهم للأيتام، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل وهو المسافر الذي انقطعت به النفقة-.

أقرباء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لهم الخمس؛ لهذا بعضهم يحتج بحل الصدقة لبني هاشم؛ لأنه ما بقي الخمس، وهذا غير صحيح ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)﴾ [مريم: 64]. الله يعلم أنه سيأتي زمان وما يعطون، فيبقى الدليل على عمومه «إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ».

والخمس الذي هو لله وللنبي صلى الله عليه وسلم هذا يرد إلى المسلمين، كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذَا إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» رواه أبو داود (2755) عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وهو في «الصحيح المسند» (2029) لوالدي رَحِمَهُ الله.

والأسهم الأربعة تقسم بين المجاهدين ومن يرى الإمام أن يُعطى حسب مصلحة الإسلام.

وأما الفيء مصارفه مبينة في قوله تَعَالَى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) [الحشر: 7]. الخمس نفس مصارف الغنيمة، والفيء يقسم خمسة أقسام، وأربعة أخماسه خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والخمس يقسم خمسة أقسام: واحد لله ولرسوله، وواحد لذي القربى إلخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَهُ أَن يَحكُمَ بِعِلمِهِ

وهذه المسألة من الخصائص النبوية أنه له صلى الله عليه وسلم أن يحكم بعلمه أي: يقضي بعلمهلعدم التهمة، أي: أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يتهم، ودليل هذه الخصوصية مع كونه لا يتهم قصة هند بنت عتبة حِينَ اشتَكَت مِن شُحِّ زَوجِهَا أَبِي سُفيَانَ، فَقَالَ: «خُذِي مِن مَالِهِ بِالمَعرُوفِ مَا يَكفِيكِ وَيَكفِي بَنِيكِ»، فقد حكم صلى الله عليه وسلم بعلمه؛ إذ لم يسأل عن البينة ولا أحضر الزوج؛ ليسأله.

أما غير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم هل له أن يقضي بعلمه؟

قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (وَفِي حُكمِ غَيرِهِ-أي: غير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم-بِعِلمِهِ خِلَافٌ مَشهُورٌ حَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقوَالٍ، ثَالِثُهَا: يَحكُمُ فِي غَيرِ حُدُودَ اللهِ) أي: في الأشياء التي لا تتعلق بالحدود كمن اختصم مع صاحب له في أرض والقاضي يعلم أنها أرض فلان، فعلى هذا القول يحكم القاضي بعلمه وأنها لفلان.

أما في الأشياء التي تتعلق بالحدود، مثلًا: رآه يزني، يسرق، يقتل، يشرب الخمر، فلا يحكم بعلمه؛ لأجل التهمة، وقد ذكر الأقوال في هذه المسألة ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «الطرق الحكمية»(168).

وذكر ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «إعلام الموقعين»(3/115) أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى حُكْمِهِ بِالْبَاطِلِ وَيَقُولُ: حَكَمْت بِعِلْمِي. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مَسأَلَةٌ: مَنِ استَهَانَ بِحَضرَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَو زَنَى

هذه مسألة ذكرت في خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن من استهان بحضرته أو زنى يكفر، وقد ذكر هذه المسألة الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «التلخيص الحبير»(3/303وقال: أَمَّا الِاسْتِهَانَةُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الزِّنَا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَقَعُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ فَمُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالِاسْتِهَانَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يَقَعَ فِي زَمَانِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ.

وهذا تفصيل حسن في هذه المسألة.

وقوله: (الِاسْتِهَانَةُ فَبِالْإِجْمَاعِ) أي: أنه يكفر؛ لأن فيه تنقصًا للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (وَأَمَّا الزِّنَا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ) لو زنى بحضرة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يراه وهو يزني، ممكن يكفر كما قال الحافظ؛ لأن فيه تنقصًا للنبي صلى الله عليه وسلم.