قال الشاعر:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ
هذا البيت فيه شاهد نحوي وشاهد معنوي
أما الشاهد النحوي فهو: تقدم الخبر «بَنُونَا» وتأخُّرُ المبتدأ؛ وأصله: بنو أبنائنا مثل بنينا، لا أنَّ بنينا مثل بني أبنائنا، والمبتدأ والخبر متساويان في التعريف؛ إذ كل منهما مضاف إلى ضمير المتكلم، ولكن يوجد قرينة معنوية تُعَيِّن المبتدأ وهو تشبيه بني الأبناء بالأبناء،[فالمؤخَّر مشبَّه والمقدم مشبه به، لا يستقيم المعنى إلا بهذا التأويل كما في «تمهيد القواعد»(2/934)]؛ فلهذا جاز تأخيره وتقديم الخبر.
وأما الشاهد المعنوي فيتعلق بمسألة أن أولاد البنات ينتسبون إلى آبائهم، لا إلى آباء أمهاتهم.
ويستثنى من هذا أولاد بنات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنهم ينتسبون إليه.
ورحم الله والدي وغفر له، في محاضرته «فضائل بيت النبوة»- وهي ضمن «تحفة المجيب» في أوائله- ذكر هذا البيت مستشهدًا به لهذه المسألة، أن أولاد البنت لا ينتسبون إلى آباء الأمهات.
ولكن من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أولاد بناته ينتسبون إليه. كما روى البخاري عَن أَبِي بَكرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ابنِي هَذَا سَيدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أن يُصلِحَ بِهِ بَينَ فِئَتَينِ عَظِيمَتَينِ مِنَ المُسلِمِينَ».
قال ابن كثير رَحِمَهُ الله في «الفصول في سيرة الرسول»(349): وَذَكَرَوا فِي الخَصَائِصِ: أَنَّ أَولَادَ بَنَاتِهِ يَنتَسِبُونَ إِلَيهِ؛ استِنَادًا إِلَى هذا الحديث.