قال تَعَالَى: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(13) أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ(14)﴾ [الملك: 14].
هذا من الأدلة المتكاثرة في الحث على مراقبة الله سُبحَانَهُ، وأن الله عليم بذات الصدور، فكما أنه عليم بذات الصدور يعلم سر القول والجهر به، وكما قال تعالى: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)﴾ [الرعد: 10].
﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ هذه الآية تتميم لما قبلها، فإن من خلق الشيء يعلم حاله وما يكنُّه وما يظهره، قال السعدي رحمه الله في «تفسيره» (1/549): كثيرًا ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه؛ لأن خلق المخلوقات، من أقوى الأدلة العقلية، على علم خالقها وحكمته. اهـ.
قال ابن القيم في «الصواعق المرسلة»(2/491): وهذا من أبلغ التقرير؛ فإن الخالق لا بد أن يعلم مخلوقه والصانع يعلم مصنوعه، وإذا كنتم مقرين بأنه خالقكم وخالق صدوركم وما تضمنته فكيف تخفى عليه وهي خلقه.
﴿ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ قال ابن القيم رحمه الله في «الصواعق المرسلة» (2/492): ثم ختم الحجة باسمين مقتضيين لثبوتها، وهما اللطيف الذي لطف صنعه وحكمته ودَقَّ حتى عجزت عنه الأفهام، والخبير الذي انتهى علمه إلى الإحاطة ببواطن الأشياء وخفاياها كما أحاط بظواهرها، فكيف يخفى على اللطيف الخبير ما تحويه الضمائر وتخفيه الصدور!
وقال ابن القيم في «شفاء العليل»(96): واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية، ومنه التلطف كما قال أهل الكهف: ﴿وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)﴾ [الكهف]. اهـ.
وقال ابن القيم في «نونيته»:
وهو اللطيف بعبده ولعبده |
۞۞۞ |
واللطف في أوصافه نوعان |
إدراك أسرار الأمور بخبرة |
۞۞۞ |
واللطف عند مواقع الإحسان |
فيريك عزته ويبدي لطفه |
۞۞۞ |
والعبد في الغفلات عن ذا الشأن |
وفيه دليل على شمول علم الله، وأنه كما يعلم الجهر يعلم السر.
وفيه دليل أن اللطيف والخبير من أسماء الله الحسنى.