جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

(10) اختصار دروس الأمثال في القرآن


قوله تَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)﴾ [النحل: 76].

﴿ أَبْكَمُ ﴾ الأبكم: الأخرس الذي لا ينطق.

﴿ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ قال ابن الجوزي رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المسير»(2/573): أي: من الكلام، لأنه لا يَفْهَم ولا يُفهَم عنه.

﴿ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ ﴾ كَلٌّ: ثِقَلٌ وَوَبَالٌ عَلَى مَوْلَاهُ ابْنِ عَمِّهِ وَأَهْلِ وِلَايَتِهِ. قاله البغوي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(3/89).

 فمولاه يعني: كافله الذي يلي أمره.

﴿ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾ أي: يرسله، وهذه أربع صفات: أبكم عاجز عن الكلام، والمنفعة والخدمة والتدبير، وثقيل على مولاه، أينما يرسله لا يأتي بخير، فهل يستوي هذا ومن يأمر بالعدل وهو صراط مستقيم؟!

وهذا ضرب مثل للأصنام التي تُعبد من دون الله، فإذا كانت عاجزة فكيف يُسوى بينها وبين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟! وإن كان لا يستوي عند الناس من وُصف بهذه الأوصاف الدالة على الضعف والعجز ومن هو متكلم قادر على طريق العدل والجادة، إذا كان كذلك لا يستويان، وهذا هو قياس العكس؛ إذ هما عكس بعض، فكيف يُسوَّى بين وثن عاجز فقير وبين الله سبحانه الحي القادر المتكلم الذي يأمر بالعدل وهو على صراط المستقيم؟!

هذا المثل قال بعضهم: هو ضربه الله تَعَالَى للمؤمن والكافر، وابن القيم رَحِمَهُ اللهُ يرجح التفسير الأول، ويلزم منه التفسير الثاني، فليس هناك مساواة بين المؤمن والكافر ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾ [السجدة: 18].

﴿وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ الأمر بالعدل هنا يتناول: الأمر الشرعي الديني، والأمر القدري الكوني.

﴿ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)﴾ نظير قول رسول الله هود عليه السلام: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍفنواصي العباد خاضعة مذللة لله، فالأول: ملكه ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، والثاني: حمده ﴿ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)﴾.

فقوله: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ إنَّ رَبِّي عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، هذا تفسير مجاهد، وهو تفسير ابن جرير، وهو قول أئمة التفسير، ورجحه ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ.

واستدل ابن القيم بقوله: ﴿مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ على تأييد التفسير السابق؛ لأنه إذا كان الله هو الذي يجعل رسله وأتباعهم على الصراط المستقيم في أقوالهم وأفعالهم، فهو سبحانه أحق في كونه على الصراط المستقيم في قوله وفعله.

ونستفيد من هذا المثل: إبطال الشرك بالله، ونفي المساواة بين الله سبحانه وبين الأصنام التي تُعبد من دون الله.