جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 22 أغسطس 2022

(6) اختصار درس التفسير

 

 [سورة المؤمنون (23) : الآيات 26 الى 30]

﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) ﴾إلى قوله﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ﴾ قال ابن جرير في «جامع البيان»  (19/ 26): يَعْنِي: بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ، فِيمَا بَلَّغْتُهُمْ مِنْ رِسَالَتِكَ , وَدَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِكَ. اهـ.

﴿ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ أي:السفن.

﴿بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا﴾ قال ابن جرير في «جامع البيان » (19/ 26): بِمَرْأًى مِنَّا وَمَنْظَرٍ، ﴿وَوَحْيِنَا﴾ يَقُولُ: وَبِتَعْلِيمِنَا إِيَّاكَ صَنْعَتَهَا. اهـ.

﴿فَإِذا جاءَ أَمْرُنا﴾  الأمر هنا كوني قدري، ويأتي الأمر شرعي ديني؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ الآية.

﴿وَفارَ التَّنُّورُ﴾ قال السعدي رحمه الله في «تفسيره» (1/550): أي: فارت الأرض، وتفجرت عيونًا، حتى محل النار، الذي لم تجر العادة إلا ببعده عن الماء. اهـ.

وهذا ذكره الله في قوله: ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) ﴾[القمر] تفجرت الأرض عيونًا، ونزلت الأمطار بماء منهمر. أي: غزير، فكثرت المياه، وصارت الأمواج كالجبال ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ [هود:42].

وقد قال بعضهم ﴿وَفارَ التَّنُّورُ﴾ أي: تنور آدم التي كانت تخبز به حواء، فصار إلى نوح وكان من حجارة، ذكره القنوجي في «فتح البيان»، وهذا يحتاج إلى دليل صحيح، وإلا نبقى على ظاهر القرآن.

﴿ فَاسْلُكْ فِيها ﴾ اسلك: أدخل فيها. وكما قال تعالى: ﴿ احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ﴾ [هود:42].

﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ يقول ابن كثير: أَيْ: ذَكَرًا وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْحَيَوَاناتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

وذكر الحكمة في ذلك  السعدي رحمه الله في «تفسيره» (1 / 550)، وقال: أي: أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات، ذكرا وأنثى، تبقى مادة النسل لسائر الحيوانات، التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض. اهـ.

﴿وَأَهْلَكَ﴾: أي: ولدك ونساءك غير الزوجة التي حكم الله عليها أن تكون مع الهالكين.

﴿ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ﴾ قال ابن كثير: أي: من سبق عليه الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ بِالْهَلَاكِ، وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ مِنْ أَهْلِهِ كَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وقال بعضهم: ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ أي: من آمن معك، وهذا الثاني أعم.

﴿وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ قال ابن كثير: أَيْ عِنْدَ مُعَايَنَةِ إِنْزَالِ الْمَطَرِ الْعَظِيمِ لَا تَأْخُذَنَّكَ رَأْفَةٌ بِقَوْمِكَ وَشَفَقَةٌ عَلَيْهِمْ، وَطَمَعٌ فِي تَأْخِيرِهِمْ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ، فَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ أَنَّهُمْ مُغْرَقُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ.

﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ﴾ قال القرطبي في «تفسيره»(12/ 119): أَيْ: عَلَوْتَ. اهـ.

﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَقال ابن جرير  في «جامع البيان » (19/ 27): يقول تعالى ذكره لنبيه نوح عليه السلام: وقل إذا سلمك الله، وأخرجك من الفلك، فنزلت عنها: ﴿رَبِّ أَنزلْنِي مُنزلا﴾ من الأرض ﴿مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ﴾ من أنزل عباده المنازل. اهـ.

وهذا أحد القولين في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَأنه النزول من السفينة إلى الأرض، والقول الثاني: الركوب في السفينة.

﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ﴾ قال ابن كثير: أَيْ: إِنَّ فِي هَذَا الصَّنِيعِ وَهُوَ إِنْجَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِهْلَاكُ الْكَافِرِينَ لِآيَاتٍ أَيْ لَحُجَجًا وَدَلَالَاتٍ وَاضِحَاتٍ عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وأنه تعالى فاعل لما يشاء قادر عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ.

﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ أَيْ لَمُخْتَبِرِينَ لِلْعِبَادِ بِإِرْسَالِ المرسلين.

من الفوائد:

ü   إثبات صفة العينين لله، وأتى بالنون الدالة على الجمع للتعظيم.

ü   استجابة الله دعاء نبيه نوح، ونبي الله نوح دعا على قومه، لما مكث فيهم وهو يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عامًا، وبعد أن أوحى الله إليه عدم إيمان أحد من قومه ممن لم يؤمن، كما قال تعالى ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) ﴾[هود:36].

ü   وفيه قول الحمد لله عند الركوب في السفر، قال ابن كثير: وَقَدِ امْتَثَلَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقالَ ﴿ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها﴾ [هُودٍ: 41]، فَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ ابْتِدَاءِ سَيْرِهِ وَعِنْدَ انْتِهَائِهِ.

ü   وفيه التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته قبل الدعاء وبعده.

ü     وفيه الدعاء بهذا للمسافر عند النزول ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾.

وقد توسع الإمام القرطبي في «تفسيره»(12/ 120)، فقال: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْآيَةُ تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ إِذَا رَكِبُوا وَإِذَا نَزَلُوا أَنْ يَقُولُوا هَذَا، بَلْ وَإِذَا دَخَلُوا بُيُوتَهُمْ وَسَلَّمُوا قَالُوا. اهـ.  

هذا توسع أن هذا من الأذكار عند دخول المنزل، هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله عند دخول المنزل.

ü   وفيه تحذير كفار قريش ومن كان على شاكلتهم من عذاب الله وعقوبته.

ü   وفيه أن قصة نوح وأتباعه وإغراق الكافرين من قوم نوح فيه عبرة ودلالة على قدرة الله الباهرة، وأنه المعبود وحده سبحانه لا شريك له.