من آداب الحاج: التحلي بالسكينة
أخرج البخاري (1671) عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ».
والإيضاع: الإسراع، ومنه: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ [التوبة: 47]، أي: أسرعوا.
وفي حديث جابر الطويل في حجة الوداع، الحديث وفيه: وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ».
وهذا فيه الحث على السكينة وعدم الإسراع عند الدفع؛ ولهذا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ جعل يقول بيده اليمني، أي: يشير إليهم، ويقول: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» أي: الزموا السكينة.
فالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يحث على السكينة في أيام الحج والرفق وعدم المزاحمة، وكما وصفه جارية بن قدامة فقَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الجِمَارُ عَلَى نَاقَةٍ لَيْسَ ضَرْبٌ، وَلَا طَرْدٌ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ» رواه الترمذي (903)، وهو في «الصحيح المسند» (1074) لوالدي رَحِمَهُ الله.
مع مكانة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ العظيمة، فهو المرسَل من عند الله عَزَّ وَجَل، وأمينه على وحيه، وهو الدولة؛ ومع ذلك (لَيْسَ ضَرْبٌ) لا يضرب أحدًا. (وَلَا طَرْدٌ) أي: لا يدفع الناس؛ من أجل التوسعة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وهذا بخلاف الجبابرة وملوك الدنيا؛ فإنهم يضربون ويطردون الناس؛ ليتنحَّى الناسُ عنهم. (وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ) اسم فعل أمر بمعنى: تنحَ، وهذا من عظيم تواضعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كفَرْدٍ من الناس، ما يُفضَّل بشيءٍ عند الزحام.
فاستفدنا: حث الحجاج على السكينة، وعادة الحجاج الإسراع وعدم التأني، وقد يحملهم هذا على عدم الرحمة والعطف على الضعيف، فيندفعون بسرعة إذا انتهى الوقت، ويُزاحمون.
وكان النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إذا وجد فراغًا أسرع، روى البخاري (1666)، ومسلم (1286) عَنْ عروة بن الزبير، أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: «كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ».
العَنَق: نوع من السير.
«فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» أي: إذا وجد فراغًا أسرع.
فائدة: عدد أيام الحج ستة، وكل يوم من هذه الأيام له اسم خاص:
اليوم الثامن: يوم التروية.
اليوم التاسع: يوم عرفة.
اليوم العاشر: يوم النحر، ويوم الحج الأكبر.
اليوم الحادي عشر: يوم القرّ، وسمي بذلك لأن الناس يقرون بمنى.
اليوم الثاني عشر: يوم النفر الأول.
اليوم الثالث عشر: يوم النفر الثاني.