جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 22 يونيو 2022

(35)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي

من آداب المعلم والمتعلم

عَنْ جعفر بن  مُحَمَّدٍ بن علي بن حسين، عن أبيه، قال: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ، يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ، وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ، عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الحديث بطوله في حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رواه الإمام مسلم(1218).

 كتبت عن والدي رحمه الله: حديث حجة الوداع بطوله في «صحيح مسلم» (1218) من طريق جعفر بن محمد.

وقد تيسر للبخاري قطعة من حديث حجة الوداع من غير طريق جعفر بن محمد؛ فإن جعفر بن محمد يقول فيه البخاري: سيء الحفظ، فتحاملت الشيعة وأنشدوا فيه أبياتًا.

 

فيه من الفوائد:

-حرص السلف على العلم، وأن لقاءاتهم لقاءات علم ومذاكرة.

-تعرُّفُ المعلم على الطالب، والتعارف مشروع، ومن آداب الإسلام، كما قال تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات: 13]. والآية عامة، وإذا كان هذا في آحاد المسلمين فكيف بالطالب ينبغي للمعلِّمِ الاهتمام بالتعرف عليه؟!

 والله عَزَّ وَجَل يقول في منافع الحج: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 28]. ومن ضمن هذه المنافع: تعارف المسلمين فيما بينهم، والتعارف في الحج له خاصيَّة في قوة الترابط؛ ولذلك قد لا ينسى لقوة تأثيره على النفوس، ولهذا ذكر الله عَزَّ وَجَل تعارف الحجاج من ضمن منافع الحج ومصالحه، وإذا حصل التعارف تبدأ تحقيق رابطة الأخوة الإسلامية، في التحابب والتزاور واللقاءات، والتكاتف والحنين، والشوق لبعضهم البعض.

-ملاطفة المعلم للطالب ومؤانسته خاصة إذا كان صغيرًا؛ ولذلك حلَّ جابر بن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا زِرَّي ثوب محمد بن علي الأعلى والأسفل، ثم وضع يده بين ثدييه، وهذا بشرط أمن الفتنة.

قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في شرح هذا الحديث(8/171): قَوْلُهُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ فِعْلِ جَابِرٍ ذَلِكَ التَّأْنِيسَ؛ لِكَوْنِهِ صَغِيرًا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَبِيرُ فَلَا يَحْسُنُ إِدْخَالُ الْيَدِ فِي جَيْبِهِ وَالْمَسْحُ بَيْنِ ثَدْيَيْهِ. اهـ.

ومن توفيق الله عَزَّ وَجَل لهذا الشاب أنه استغل هذه المؤانسة وسأله سؤالًا في غاية الأهمية عن حجة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فأجابه ذلك الصحابي بكل حفاوة، فصار لقاءًا عظيمًا مبارَكًا.

وهذا نستفيد منه: تبصير الطالب في الحرص على إلقاء السؤال المفيد الذي ينفع.

-تعريف الطالب بنفسه ونسبه، فما يكفي أن يقول: أنا محمد، أو أبو جعفر، هذا لا يحصل به المقصود من التعارف، وهذا من الآداب.

-وفيه إكرام أهل البيت وتعظيمهم وإنزال الناس منازلهم.

-الترحيب بالطالب.