جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 3 مايو 2022

(19)من أحكام العيدين

 

تسأل إحدى أخواتي في الله وتقول: هل يأثم الشخص إذا ملئ قلبه بالحزن يوم العيد لأنه في غربة الأهل والوطن؟

 

هذا شيء طبيعي، لكن أنصح بمعالجة الحُزن ودفعه ما أمكن؛ إذ إظهار السرور في العيدين عبادة، وداخل في المستحبات، بل وشعيرة من شعائر الدين:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الفِرَاشِ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُوبَكْرٍ، فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله فَقَالَ: <دَعْهُمَا>، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا. أخرجه البخاري ومسلم.

وقد استنبط منه الحافظ ابن حجر فوائد جليلة، وعلوم نافعة، منها:

       1)    فيه مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد، بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى.

       2)    وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين.

وفي لفظ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا». رواه البخاري (952)، ومسلم (892).

قال البغوي في «شرح السنة»(4/322): قَوْلُهُ: «وهَذَا عِيدُنَا» يَعْتَذِرُ بِهِ عَنْهَا أَنَّ إِظْهَارَ السُّرُورِ فِي الْعِيدَيْنِ شِعَارُ الدِّينِ، وَلَيْسَ هُوَ كَسَائِرِ الأَيَّامِ.

والْعِيد مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ، فَكُلُّ عِيدٍ يَعُودُ بِالسُّرُورِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ عَلَى أَعْيَادٍ بِالْيَاءِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. كذا في «نيل الأوطار»(3/337) للشوكاني.

ونستفيد من هذا: التغلُّب على دَفْعِ الحُزْنِ في العيدَينِ خاصَّة.

كما أنَّ الأدلة الأُخرى تقتضي أيضًا اجتناب الحُزن.

وهذا من الابتلاءات في الدنيا ومن متاعبِها؛ ولهذا أهل الجنة يقولون: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

وكان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول: الدنيا ليس فيها راحة.

ومن معالجة الحُزن: الإيمان بالقدر، قال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11].

كذلك يُعالَجُ إن شاء الله بالقرآن الكريم؛ لأنه شفاء، والدعاء والتغاضي والمجاهدة، حتى يفرِّج الله أو يلقى الإنسانُ ربَّه، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملًا.

كذلك من معالجة الحُزن: النظر إلى مساوئِهِ، فابن القيم في «مدارج السالكين» يقول: الحزن ليس بمطلوب ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ.

وقال: إنه مضعف للقلب عن السير، مُقَتِّر للعزم اهـ المراد.

ومعنى: ليس بمطلوب ولا مقصود، أي: ليس بمقصود ينبغي طلبه.

فالحُزن يفوِّت الخيرَ، ويضيق الصدر، ويجلب الضرر والتوتُّر، والضَّعْفَ النَّفْسِي، وقد يجد الشيطان مدخلا من خلاله، والمعصوم من عصم الله.

وقال ابن القيم في « زاد المعاد»(4/378): أَرْبَعَةٌ تَهْدِمُ الْبَدَنَ: الْهَمُّ، وَالْحُزْنُ، وَالْجُوعُ، وَالسَّهَرُ.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.