الإتيان بالطاعة قد يكون سهلًا، ولكن المحافظة على الطاعة أشق، فليس كل من صبر على العمل طوى بساطه وفرغ، قال ابن القيم في «عدة الصابرين»: ليس الشأن الإتيان بالطاعة، إنما الشأن في حفظها مما يبطلها.
وقال أيضًا: فلا يُظن أن بساط الصبر انطوى بالفراغ من العمل.
فحتى يَسْلَمَ لنا رمضان ينبغي المحافظة على الصيام فيه من ثلاثة أمور: من البطلان، والنقصان، والإهداء.
فالصيام يحتاج إلى محافظة في أثنائه وبعد الفراغ منه، النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري (1903) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151) عن أبي هريرة.
وهكذا نحفظ أعمالنا من البطلان: كالرياء، والعجب. لا تُعجَبي بعملك، بصيامك؛ فهذا محبط للعمل، النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يذكر «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَك» رواه الإمام مسلم (2621) عَنْ جُنْدَبِ بن عبد الله.
وإياكِ إياكِ-يا طالبة العلم-والعجبَ بفهمك، بذكائك، بحفظك، بعلمِك، بعملك، فالعجب مهلكة.
و الحذر من إهداء العمل للغير، إذا انتهيت من صوم يوم واحد فاحمدي الله عَزَّ وَجَل وحافظي عليه، ابقيه لنفسك يوم المعاد، ذلك اليوم الذي نحن في أشد الحاجة فيه إلى الحسنة الواحدة، فلا تهديه لغيرك، نسأل الله العافية من أن نقدِّم حسناتنا لغيرنا كأنها في طبق جاهز، وقد ثبت من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رواه مسلم (2581).
تقسَّم حسناتُه لغيره، يا لها من خسارة، نسأل الله أن يحفظ لنا أعمالَنا.