جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 20 أبريل 2022

(22) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين

 

هنا سؤالٌ قُدِّمَ عن حال هذا الأثر:

عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِهِ مِثْلَ الصَّبِيِّ، فَإِذَا الْتُمِسَ مَا عِنْدَهُ وُجِدَ رَجُلًا.

الجواب: هذا الأثر أخرجه أحمد بن مروان الدينوري في «المجالسة»(1038)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»(13/331) نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دَازِيلَ الْهَمَذَانِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ، فذكره.

وسنده منقطع؛ إبراهيم التيمي هو ابن يزيد لم يدرك عمرَ بن الخطاب.

فقد قال الدارقطني: لم يسمع من عائشة ولا حفصة، ولا أدرك زمانهما. كما في «جامع التحصيل»(141).

وإذا كان ما أدرك زمن عائشة وحفصة، فأبعد أن يكون أدرك عمر بن الخطاب؛ لتقدُّمِ وفاة عمر بن الخطاب، فقد استُشْهِدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سنةَ ثلاث وعشرين، ووفاة عائشة وحفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما بعد ذلكَ بزمنٍ طويل.

وربما بعض الواعظين يذكره في الحث على مؤانسة الرجل أهله والانبساط معهم.

وفي السنة ما يكفي ويغني، من حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أهله وحُسْن عشرته لهم، ونذكِّركم بمثالٍ واحدٍ:

محادثةُ عائشةَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا كان عندها بحديثٍ طويل عن إحدى عشرة امرأة، منهن أم زرع وزوجها أبو زرع، فاستمع لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصغى لكلامِها حتى أكملت، وقالت في نهاية القصة: قَالَتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ، أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ، أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ...

فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ» رواه البخاري ومسلم.

ومعنى: وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَمْ تُرِدِ الْعَضُدَ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَتِ الْجَسَدَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْعَضُد إِذا سمنت سمن سَائِر الْجَسَد، وخصت الْعَضُدَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَا يَلِي بَصَرَ الْإِنْسَانِ مِنْ جَسَدِهِ.

وَبَجَّحَنِي فَبَجِحْتُ: الْمَعْنَى أَنه فرحها فَفَرِحت. وفيه أقوالٌ أخرى.

بِشِقٍّ: هُوَ مَوْضِعٌ عَيْنِهِ.

أَهْلِ صَهِيلٍ، أَيْ: خَيْلٍ.

وَأَطِيطٍ، أَيْ: إِبِلٍ.

وَدِيَاسٍ: قال الحافظ بعد كلام له: الْحَاصِلُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ شَظَفِ عَيْشِ أَهْلِهَا إِلَى الثَّرْوَةِ الْوَاسِعَةِ مِنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ والزَرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ: أَيْ: أَنَامُ الصُّبْحَةَ، وَهِيَ نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَا أُوقَظُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لَهَا مَنْ يَكْفِيهَا مُؤْنَةَ بَيْتِهَا وَمِهْنَةَ أَهْلِهَا.

ينظر «فتح الباري» شرح هذا الحديث.

قال النووي رَحِمَهُ الله في شرح هذا الحديث: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هُوَ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِهَا، وَإِيضَاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَتِهِ إِيَّاهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنَا لَكَ كَأَبِي زَرْعٍ، وَكَانَ زَائِدَةٌ أَوْ لِلدَّوَامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وكان الله غفورا رحيما أَيْ: كَانَ فِيمَا مَضَى وَهُوَ بَاقٍ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي حَدِيثِ أُمِّ زرع هذا فوائد:

 منها: استحباب حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ لِلْأَهْلِ.

 وَجَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ الخالية. الخ الاستنباطات.