إعادة العبارة بسبب طول الكلام الفاصل
قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)﴾[البقرة].
وقال تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)﴾[المؤمنون].
قال الواحدي في «التفسير البسيط»(3/141): قال محمد بن يزيد- المبرد-قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ تكرير للأول؛ لأن الكلام طال بقوله: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ﴾، وكأنه كلام معترض، فأعاد الأول. وجوابه ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾.
ومثله قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ أعاد ذكر ﴿أَنَّكُمْ﴾ لمَّا طال الكلام، وكأنه قال: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ مُخْرَجُونَ. اهـ.
عن أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعْنَا، فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا، فَلَمْ أَجِدْ فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ، وَالرَّبِيعُ: الجَدْوَلُ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَبُو هُرَيْرَةَ»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟»، قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هَذَا الحَائِطَ فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ-وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ-، قَالَ: اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ؟»، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالجَنَّةِ، فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي، فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِي عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ!»، قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي، قَالَ: ارْجِعْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله: «يَا عُمَرُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟»، قَالَ: يَا رَسُولَ الله، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالجَنَّةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «فَخَلِّهِمْ» رواه مسلم بن الحجاج(31).
الشاهد من هذا الحديث: قوله: فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ-وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ-، قَالَ: اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ.
قال الإمام النووي رَحِمَهُ الله في شرح هذا الحديث: فِي هَذَا الْكَلَامِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ، فَإِنَّهُ أَعَادَ لَفْظَةَ قَالَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِطُولِ الْكَلَامِ وَحُصُولِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ، وَهَذَا حَسَنٌ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. بَلْ جَاءَ أَيْضًا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، ثم ذكر الدَّليلَين السَّابقين من القرآن.