الأحاديث التي وردت في فضل سورة المؤمنون:
-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قال: كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النحل، فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال «اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وارض عنا وأرضنا- ثم قال- لقد أنزل عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ حَتَّى خَتَمَ العشر. رواه التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ
وقال النسائي: مُنْكَرٌ لا نعرف أَحَدًا رَوَاهُ غَيْر يُونُسَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَيُونُسُ لَا نَعْرِفُهُ.
وقد أقره الحافظ ابن كثير ولم يتعقبه، وذكر الحديث الشيخ الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (1242)، وقال: منكر. فهذا الحديث مع شهرته منكر، وهو من الأدعية المشهورة.
أما من حيث المعنى فمعناه صحيح فلو دعا به إنسان باعتبار فيه الحث على الدعاء مع سلامة المعنى لا مانع، أو دعا ببعض الآثار الموقوفة.
فالتي ليس عليها انتقاد في المعاني لا مانع، ولكن الأفضل تحري الأدعية التي في القرآن، و الأدعية التي في السنة الصحيحة. وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنها أسلم، يعني: أسلم من أن يدعو بدعاء وقد يحمل معنى غير صحيح وهو لا يشعر به.
-عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَالَ: قُلْنَا لعائشة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: كَيْفَ كَانَ خُلُقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتِ: كَانَ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَتْ ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾- حَتَّى انتَهَتْ إِلَى- ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذا ظاهره الحسن يزيد بن بابنوس قال الدارقطني: لا بأس به، كما في «تهذيب الكمال»، وأبو عمران هو الجوني، كما في ترجمة شيخه يزيد من «تهذيب الكمال»، وهو عبدالملك بن حبيب ثقة، وجعفر بن سليمان الضبعي، كما في ترجمة الجويني من «تهذيب الكمال»، وهو حسن الحديث.
والجزء الأول من الحديث أخرجه الإمام مسلم عن عائشة أنها سئلت عن خلق النبي ﷺ: فقالت: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ».
-عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهِمْ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ وَغَرَسَهَا بِيَدِهِ نَظَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قَالَ كَعْبُ الأحبار: لما أعد لهم من الكرامة فيها. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ.
هذه آثار موقوفة، وقول أبي العالية « فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ » هذا مرسل.
-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَغَرَسَهَا وَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فَدَخَلَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَتْ: طُوبَى لَكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ من فضة، وملاطها المسك، فَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: طُوبَى لَكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ».
حديث أبي سعيد الخدري جاء موقوفًا ومرفوعًا. والموقوف صحيح، أما المرفوع فرفعه راوٍ ضعيف، وهو عدي بن الفضل متفق على تضعيفه، وقد خالف في هذا الحديث من هو أرجح منه، وهو وُهَيْب بن خالد، فقد رواه موقوفًا، ووُهَيْبٌ ثقة ثبت.
وقد رجح ابن القيم رحمه الله وقف الحديث في «حادي الأرواح» (277)، وأقر الشيخ الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (2662) أن الموقوف هو الصواب، ولكن قال: هذا له حكم المرفوع.
-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ خَلَقَ فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾».
والحديث ضعيف فيه بَقِيَّةُ بن الوليد يدلس تدليس التسوية وقد عنعن.
-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ، وَدَلَّى فِيهَا ثِمَارَهَا، وَشَقَّ فِيهَا أَنْهَارَهَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قال: وعزتي وجلالي لَا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ».
فيه حَمَّادُ بْنُ عِيسَى الْعَبْسِيُّ، قال الذهبي عنه في «الميزان»: فيه جهالة. والحديث ضعفه الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «الضعيفة» (1284).
-عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ: لَبِنَةً مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ وَلَبِنَةً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَلَبِنَةً مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، مِلَاطُهَا الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ، وَحَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا انطِقِي، قَالَتْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فَقَالَ اللَّهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الْحَشْرِ: 9] .
فيه مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْكَلْبِيُّ، قال ابن معين: لا شيء. والحديث ضعفه الشيخ الألباني في «الضعيفة».
والحاصل أن هذه الأحاديث التي فيها أن الله عز وجل لما خلق الجنة قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَرأتْ قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أسانيدها ضعيفة. والله على كل شيء قدير، فالله سبحانه وتعالى قادر أن ينطق الجنة، يخلق فيها إدراكًا وتنطق كما يشاء سبحانه وتعالى، وقد روى البخاري (4850)،ومسلم(2846) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الجَنَّةُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا.