كلمة كَادَ
معنى «كاد» في قوله تعالى: ﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾
هذه الآية ﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ دليل على أن النفي في ﴿ لَمْ يَكَدْ﴾ على بابه، وأنه لم يرها ولم يقارب.
وهناك تفسير آخر أنه رآها لكن بمشقة، وعلى هذا القول النفي فيه معنى الإثبات.
قال أبو إسحاق الزجاج في «معاني القرآن» (4/48): والقولُ الأولُ أَشْبَهُ بهذَا المعنى؛ لأِن في دُونِ هذه الظُّلُمَاتِ لا يُرَى الكف. اهـ.
وقد اشتهر في كتب اللغة والنحو والتفسير أن «كاد» إثباتها نفي ونفيها إثبات، وجعلوا في هذا لغزًا:
أَنْحَوِيَّ هَــــــــــــذَا الْعَصْرِ مَـــــــــــــا هِي لَفْظَــــةٌ |
۞۞۞ |
جَرَتْ فِي لِسَانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُوْدِ |
إذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُوْرَةٍ الْجَحْدِ أَثْبَتَتْ |
۞۞۞ |
وَإِنْ أَثْبَتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُوْدِ |
ويعني بها لفظة «كاد»، وابن مالك رَحِمَهُ اللهُ في «شرح الكافية» (54) يتعقب هذا، ويقول: ومن زعم هذا فليس بمصيب، بل حكم «كاد» حكم سائر الأفعال في أن معناها منفي إذا صحبها حرف نفي، وثابت إذا لم يصحبها. فإذا قال قائل: «كاد زيد يبكي»، فمعناه: قارب زيد البكاء، فالمقاربة ثابتة، ونفس البكاء منتف.
فإذا قال: «لم يكد يبكي» فمعناه: لم يقارب البكاء، فمقاربة البكاء منتفية، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة.
إلى أن قال: وكذا قوله تعالى: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ هو أبلغ في نفي الرؤية من لم يرها؛ لأن من لم ير قد يقارب الرؤية، بخلاف من لم ير ولم يقارب. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح ألفية ابن مالك» في الرد على من قال رأى يده: الآية لا تدل على هذا فالبحر لجي عميق، ويغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فهو ظلمات بعضها فوق بعض، فلا يقارب أن يرى يده. اهـ.
وهذا الذي رجحه ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ كما تقدم، وذهب إليه ابن هشام رَحِمَهُ اللهُ في «المغني»(869)، وقال: وَالصَّوَاب أَن حكمهَا حكم سَائِر الْأَفْعَال فِي أَن نَفيهَا نفي وإثباتها إِثْبَات وَبَيَانه أَن مَعْنَاهَا المقاربة، وَلَا شكّ أَن معنى كَاد يفعل قَارب الْفِعْل، وَأَن معنى مَا كَاد يفعل مَا قَارب الْفِعْل، فخبرها منفي دَائِمًا. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح ألفية ابن مالك»: الراجح عندي كلام ابن هشام، وأنها كغيرها من الأفعال، نفيها نفي وإثباتها إثبات، إلا إذا دلت القرينة، والقرائن لها أحوال. اهـ.
فعلِمْنَا من تقرير ما تقدم: أن «كاد» إثباتها إثبات ونفيها نفي إلا إذا دلت قرينة على أن الإثبات نفي، وأن بعضهم عكس، وقال: إثباتها نفي ونفيها إثبات.
فقوله عَزَّ وَجَل: ﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ عرفنا كما رجح جماعة منهم ابن مالك وابن هشام أن نفي «كاد» نفي فهو لم يرها ولم يقارب.
ونأتي بمثال آخر وهو قوله سُبحَانَهُ: ﴿ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71]. هنا فيه نفي ﴿ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ فهل ذبحوها؟ استفدنا من كلام ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ أنه إذا كانت هناك قرينة تفيد أن النفي إثبات، فيكون كذلك، وعندنا قرينة وهي ﴿فذبحوها﴾، فهنا النفي للإثبات بدليل هذه القرينة.