جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 24 ديسمبر 2021

(38) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 

جملة من خصائصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ حَرَامٍ الأَنصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعطِيتُ خَمسًا لَم يُعطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنبِيَاءِ قَبلِي: نُصِرتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهرٍ، وَجُعِلَت لِيَ الأَرضُ مَسجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِن أُمَّتِي أَدرَكَتهُ الصَّلَاةُ فَليُصَلِّ، وَأُحِلَّت لِيَ الغَنَائِمُ وَلَم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبلِي، وَأُعطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً وَبُعِثتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» رواه البخاري (335)، ومسلم (521).

 

اشتمل هذا الحديث على عدد من الخصوصيات:

 

الخصوصية الأولى:

«نُصِرتُ بِالرُّعبِ مَسِيرَةَ شَهرٍ» من مسافة شهر، مسافة واسعة يُصاب عدوه صلى الله عليه وسلم بالرعب والخذيلة والضعف. وهذا له ولأمته، وإنما قد يتخلف هذا عن هذه الأمة؛ لعدم تحقق أسباب النصر: من ضعف الإيمان، وتفرق المسلمين واختلافهم، الله عز وجل يقول: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) [الأنفال: 46].

 

إشكال على هذه الفقرة من هذا الحديث والجواب عنها:

عن النواس بن سمعان في قصة نزول عيسى: «أَنَّهُ لَا يُدرِكُ نَفَسُهُ كَافِرًا إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنتَهِي حَيثُ يَنتَهِي بَصَرُهُ»؟ رواه مسلم.

وقد أجاب عنه ابن كثير في « الفصول »، وقال: فَإِن كَانَ ذَلِكَ صِفَةً لَهُ لَم تَزَل مِن قَبلِ أَن يُرفَعَ فَلَيسَت نَظِيرَ هَذَا، وَإِلَّا فَهُو بَعدَ نُزُولِهِ إِلَى الأَرضِ أَحَدُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعنِي: أَنَّهُ يَحكُمُ بِشَرعِهِ وَلَا يُوحَى إِلَيهِ، بِخِلَافِهَا. وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ. اهـ.

ومعنى هذا الحديث «وَأَنَّهُ لَا يُدرِكُ نَفَسُهُ كَافِرًا إِلَّا مَاتَ» قال القرطبي في «المفهم» (7/284): الله تعالى قوَّى نفس عيسى عليه السلام حتى يصل إلى المحل الذي يصل إليه إدراك بصره، فمعناه: أن الكفار لا يقربونه، وإنَّما يهلكون عند رؤيته ووصول نفَسِه إليهم، تأييد من الله له وعصمة، وإظهار كرامة ونعمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخصوصية الثانية:

«وَجُعِلَت لِيَ الأَرضُ مَسجِدًا وَطَهُورًا» الأمم المتقدمة يلزمهم الصلاة في الأماكن المعدة للصلاة، أما هذه الأمة فأينما أدركتها الصلاة صلت، وفي هذا المعنى الحديث الذي رواه الإمام أحمد رَحِمَهُ الله (11/639): «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ»، وهو حديث حسن؛ لأنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه السلسلة حسنة.

وقوله: وَطَهُورًا.  التيمم من الخصائص، وهذه له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ولأمته. وهذا من فضائل هذه الأمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخصوصية الثالثة:

«وَأُحِلَّت لِيَ الغَنَائِمُ» ويدل لهذا حديث أبي هريرة في «صحيح مسلم» (1747) عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ» الحديث وفيه:  «فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ، فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ، فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَبَايَعُوهُ، فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَبَايَعَتْهُ»، قَالَ: «فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ»، قَالَ: «فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا، فَطَيَّبَهَا لَنَا».

الأمم المتقدمة كانت تنزل نار فتأكل الغنيمة ولا تحل لأحد، وهذه الأمة أحلت لها.

 والحكمة أنها شُرعت الغنائم لهذه الأمة رحمة بهم لضعفهم وعجزهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخصوصية الرابعة: الشفاعة الخاصة بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

الشفاعة العظمى: «وَأُعطِيتُ الشَّفَاعَةَ» المراد: المقام المحمود، وهي الشفاعة الأولى يوم القيامة ، قال تعالى: ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)﴾ [الإسراء: 79]. وقد ثبت من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الشَّفَاعَةُ» رواه الإمام أحمد (16/155) والحديث في كتاب «الشفاعة» لوالدي رحمه الله.

ولم ينكرها أحد من هذه الأمة الإسلامية؛ لأنها لمجرد فصل القضاء.

وهناك بعض الشفاعات خاصة بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

الشفاعة في فتح باب الجنة لدخول المؤمنين، فهو أول شافع في دخول الجنة: روى مسلم (197) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ».

الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب: روى البخاري (3883ومسلم (209) عن العباس بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».

فهذه ثلاث شفاعات من خصائص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وله شفاعات عامة: في خروج الموحدين من النار، وفي رفع درجات بعض أهل الجنة كشفاعته لعبيد أبي عامر وأبي سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، والشفاعة الأخيرة في رفع الدرجات متفق عليها بين أهل السنة والمعتزلة كما في « الفصول».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخصوصية الخامسة: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً وَبُعِثتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»

قال ابن كثير: فَكَانَ النَّبِيُّ مِمَّن كَانَ قَبلَنَا لَا يُكَلَّفُ مِن أَدَاءِ الرِّسَالَةِ إِلَّا مَا يَدعُو بِهِ قَومَهُ إِلَى اللهِ.  وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ [هود: 17]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) ﴾ [آل عمران: 20]. فِي آيٍ كَثِيرٍ مِنَ القُرآنِ تَدُلُّ عَلَى عُمُومِ رِسَالَتِهِ إِلَى الثَّقَلَينِ. الخ.

وهذا فيه رد على من ينكر رسالة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أو يقول: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل لكن إلى العرب ولم يرسل إلى أهل الكتاب.