مقتطف من الرسالة السادسة: سعادة المرأة المسلمة
اللِّينَ والحفاوة، لا الغِلظةَ والجفاوةَ.
عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يَا عائشة، ارفُقِي، فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهلِ بَيتٍ خَيرًا، دَلَّهُم عَلَى بَابِ الرِّفقِ» رواه الإمام أحمد (41/255).
وعن المسيَّب بن حزن رضي الله عنهما، أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا اسمُكَ»، قَالَ:حَزنٌ، قَالَ:«أَنتَ سَهلٌ»، قَالَ:لَا أُغَيِّرُ اسمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ سعيد بن المسيب:فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعدُ. رواه البخاري(6190). امتنع من تغيير اسمه؛ فحُرِم بركة الاسم الذي اختاره له النبي صلى الله عليه وسلم، ولازمتهم الحزونة، وصارت موروثة في ذريته.
وهذا من الأدلة على خطر عدم الاتباع، مع أن هذا للإرشاد.
والغلظة والفظاظة والقسوة تهدم ولا تبني، وتُفسِد ولا تُصلِح، وتُفرِّق الشمل والكلمة إلى غير ذلك، قال تعالى:﴿فَبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضُّوا مِن حَولِكَ﴾ [آل عمرن:159].
بخلاف اللين والحفاوة والأخلاق الحسنة فهي تجذب القلوب وتمتلكها؛ لهذا جاء الأمر به والحث عليه، قال تعالى:﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنًا﴾ [البقرة:83].
واللين يدل على العقل، ويشرح الصدر، وأدعى للقبول؛ ولهذا الله يقول لموسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون:﴿فَقُولَا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشَى﴾ [طه:44].
وثبت عَن مَيمُونِ بنِ مِهرَانَ:التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصفُ العَقلِ. أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (291).
اللين وحُسن التفاهم من مكارم الأخلاق، ومن أسماء الله الرفيق، ومن صفاته الرفق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ فِي الأَمرِ كُلِّهِ» رواه البخاري (6927)، ومسلم (2593) عَن عائشة.
فمن أرادت الخير لنفسها وبيتِها فعليها بلزوم الرفق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَن يُحرَمِ الرِّفقَ، يُحرَمِ الخَيرَ» رواه مسلم (2592) عَن جرير.
والجزاء من جنس العمل، قال ابن القيم في «الوابل الصيب» (36): فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه، فكما تدين تدان، وكن كيف شئت، فإن الله تعالى لك كما تكون أنت لعباده. اهـ.
ولا تظني أنك بالعنف تحصلين على ما تَهوَينَ، بل العكس، العنف يُفَوِّت المصالح والأجور، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«وَيُعطِي عَلَى الرِّفقِ مَا لَا يُعطِي عَلَى العُنفِ، وَمَا لَا يُعطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» رواه مسلم (2593) عَن عائشة.
والعُنفُ شينٌ وعيب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الرِّفقَ لَا يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنزَعُ مِن شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ» رواه مسلم (2594) عَن عائشة.
ومن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم التيسير، لا التشديد والتعسير،فقد قال:«إِنَّ اللهَ لَم يَبعَثنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِن بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا».
واستعيذي بالله من الكسل؛ فإنه يجلب العُنفَ والخُلُقَ السيِّءَ.واكثري من الدعاء أنَّ اللهَ يرزقك خُلَقَ الرفقَ واللين.
وتوبي إلى الله واستغفري؛ فقد يكون هذا سببه الذنوب، قال تعالى:﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ (30) ﴾[الشورى ].
وما أسوأ المرأة التي لها صُراخ، وأصوات، وضجة، وانتهار!
ما أسوأ المرأة من أُمٍّ كيف يعيش أطفالُها وهم لا يجدون منها إلا الانتهار؟! وكيف يؤثِّر هذا على نفسيتهم وحياتهم؛ إن هذه طريقة لا يحبها الله ولا يرضاها.
هذا الحال بعيدٌ عن خلق السكينة والوقار، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«وَعَلَيكُم بِالسَّكِينَةِ والوَقَارِ» رواه البخاري (636) واللفظ له، ومسلم (602) عَن أَبِي هريرة رضي الله عنه.
ولكلِّ مقام مقال، فلو لزم أن تشُدَّ المرأةُ مع ولدها؛ لمصلحته وتربيته فهذا مطلوب؛ أخرج البخاري (5200)، ومسلم (1829) عن ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيتِ زَوجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ».
وليُعلم أن الرفق واللين أمرٌ مطلوب
من جميع الأفراد: بين الأُسَرِ والأقارب، ويكون بين أهل الدين كلِّهِم، ولا سيما الدعاة إلى الله فيما بينهم.