جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 12 نوفمبر 2021

(81)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 [سورة الحج (22):الآيات 52 الى 54]

﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى﴾إلى قوله:﴿إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52-54)﴾

 

قوله سبحانه: ﴿ إِذا تَمَنَّى﴾ قول أكثر المفسرين: أن تمنى بمعنى: تلا وقرأ كتاب الله، وهذا القول اختاره ابن جرير.

وفي الآية تفسير آخر أنه من الأمنية، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم تمنى يومًا أن لا يأتيه من الله شيء ينفر عنه به قومُه، فألقى الشيطان على لسانه ما كان قد تمناه، قاله محمد بن كعب القرظي، نقله عنه الجوزي في «زاد المسير»(3 /246).

تفسير آخر أن ﴿تَمَنَّى ﴾ بمعنى: حدَّث لا تلا. أي:إِذَا حدَّث ألقى الشيطان في حديثه، وليس معنى هذا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان ينطق بوسوسة الشيطان، ولكن المراد على قول بعض المفسرين: أن هذا يلقيه الشيطان فيتوهم بعض من سمع أن هذا من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أما على تفسير إلقاء الشطان في قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ على أنه من عند الله وأنه ألقى إليه ( تلك الْغَرَانِيقِ العلى منها الشفاعة ترتجى) فهذا معتمد على أحاديث لا تصح، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ معصوم عن هذا قال سبحانه ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾[النجم:3-4] وثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» رواه أبو داود (3646)،وهو في «الصحيح المسند» (794) لوالدي رَحِمَهُ الله

﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ﴾ حَقِيقَةُ النَّسْخِ لُغَةً: الْإِزَالَةُ وَالرَّفْعُ.

﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ أَيْ بِمَا يَكُونُ مِنَ الْأُمُورِ وَالْحَوَادِثِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.

﴿حَكِيمٌ﴾ أَيْ فِي تَقْدِيرِهِ وَخَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، لَهُ الْحِكْمَةُ التَّامَّةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ.

﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً﴾ أَيْ: شَكٌّ وَشِرْكٌ وَكُفْرٌ وَنِفَاقٌ.

﴿لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ هُمُ الْمُنَافِقُونَ.

﴿وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ هم المشركون.

﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ أَيْ:فِي ضَلَالٍ وَمُخَالَفَةٍ وَعِنَادٍ.

﴿بَعِيدٍ﴾أَيْ: منَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ.

﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ أَيْ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ النَّافِعَ الَّذِي يُفَرِّقُونَ بِهِ بين الحق والباطل والمؤمنون بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ مَا أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ الَّذِي أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَحِفْظِهِ،وحرسه أن يختلط به وغيره بَلْ هُوَ كِتَابٌ حَكِيمٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.

 ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ أَيْ: يُصَدِّقُوهُ وَيَنْقَادُوا لَهُ.

﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ أي:تخضع وتذل لَهُ قُلُوبُهُمْ.

﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُرْشِدُهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَيُوَفِّقُهُمْ لِمُخَالَفَةِ الْبَاطِلِ وَاجْتِنَابِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ يَهْدِيهِمْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُوصِلِ إِلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّاتِ،وَيُزَحْزِحُهُمْ عن العذاب الأليم والدركات. انتهت هذه المعاني من تفسير ابن كثير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من فوائد الآيات:

قال الحافظ ابن كثير: فيه تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ،أَيْ لَا يَهِيدَنَّكَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ مِثْلَ هَذَا مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ. اهـ. ومعنى لا يهيدنك: أَي: لَا يُزِيلَنَّكَ. « لسان العرب» (3/441).

-التفريق بين الرسول والنبي، وقد اشتهر في تفريق النبي والرسول أن النبي: من أوحى ولم يؤمر بالتبليغ،والرسول: من أوحي إليه وأمر بالتبليغ.

وقد عرضت على والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله هذا التعريف فأنكره،وقال: كيف لا يؤمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بالتبليغ، وأحاد الناس مأمورون بالتبليغ، وهناك أدلة ترد هذا القول منها: عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ:«إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ،وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» الحديث رواه مسلم (1844).

هذا الحديث فيه وجوب التبليغ على جميع الأنبياء. وسائر الأدلة التي فيها الوعيد على كتمان العلم تدل على ذلك.

وروى البخاري  ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: « عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ،فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ،وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ،وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ،وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ،وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ،فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي،فَقِيلَ:هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ،ثُمَّ قِيلَ لِي:انْظُرْ،فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ،فَقِيلَ لِي:انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا،فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ،فَقِيلَ:هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ».

فهؤلاء الأنبياء ومعهم أتباع دليل على أن النبي مأمور بالتبليغ.

والذي اختاره الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «الصحيحة» (6/ 369)  في تعريف النبي والرسول أن النبي: من بعث لتقرير شرع سابق، والرسول: من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليه سواء كانت جديدة أو متقدمة.

-وفيه تقسيم القلوب إلى ثلاثة أقسام: قلوب مريضة، وقلوب قاسية، وقلوب مخبته.

قال ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (1/ 10): جعل الله سبحانه وتعالى القلوب في هذه الآيات ثلاثة: قلبين مفتونين، وقلبا ناجيا، فالمفتونان: القلب الذى فيه مرض، والقلب القاسى.والناجى: القلب المؤمن المخبت إلى ربه. وهو المطمئن إليه الخاضع له، المستسلم المنقاد.

-وفيه التنويه بأهل العلم وأنهم يعلمون أن ما جاء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ هو الحق، والله يستشهد بأهل العلم في أكثر من موضع استشهد الله بهم على صحة رسالة نبيه قال الله سبحانه: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) ﴾[الرعد:43 ] واستشهد الله بهم على وحدانيته، قال تعالى﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[آل عمران:18 ].

-وفيه أن من أسماء الله الحسنى لفظ الجلالة (الله)،العليم، الحكيم، الهادي.