جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 8 يوليو 2021

(6)من أحكام الجنائز

 

النهي عن تمنِّي الموت

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي» رواه البخاري (5671)، ومسلم (2680).

هذا الحديث من فوائده:

-فيه النهي عن تمنِّي الموت لضر نزل به ومكروه، من فقد حبيب، او مرض،أو فقرٍ، أو مصيبة.

والحكمة من النهي عن تمني الموت: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ» رواه البخاري (7235)، ومسلم (2682).

قال ابن الجوزي في «كشف المشكل» (3/505): اعْلَم أَن تمني الْمَوْت اخْتِيَار من العَبْد لنَفسِهِ مَا يظنّ فِيهِ الْخيرَة، والخيرة غَائِبَة عَن الْآدَمِيّ لَا يعلمهَا، وَالْمُؤمن إِذا بَقِي ازْدَادَ خيرا أَو تَابَ من شَرّ.

والاستعتاب: الرُّجُوع عَن الْإِسَاءَة إِلَى الْإِحْسَان. اهـ.

أما عند خوفِ الفتنة في الدين فتمني الموت جائز، قال تعالى  في شأن مريم: ﴿ فأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)﴾[مريم].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة مريم(4/541): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَمَنِّي الْمَوْتِ عِنْدَ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهَا سَتُبْتَلَى وَتُمْتَحَنُ بِهَذَا الْمَوْلُودِ الَّذِي لَا يَحْمِلُ النَّاسُ أَمْرَهَا فِيهِ عَلَى السَّدَادِ، وَلَا يُصَدِّقُونَهَا فِي خبرها، وبعد ما كَانَتْ عِنْدَهُمْ عَابِدَةً نَاسِكَةً تُصْبِحُ عِنْدَهُمْ فِيمَا يَظُنُّونَ عَاهِرَةً زَانِيَةً، فَقَالَتْ: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ﴾ أَي: قَبْلَ هَذَا الْحَالِ،﴿وكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾  أَي: لَمْ أُخْلَقْ وَلَمْ أَكُ شَيْئًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. اهـ.

وروى البخاري (7115)، ومسلم (157) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ.

قال ابن الجوزي رحمه الله في «كشف المشكل» (3/421): هَذَا إِنَّمَا يكون لظُهُور الْفِتَن وَتغَير الْأَدْيَان، فيخاف الْمُؤمن على نَفسه فيتمنى الْمَوْت. اهـ.

فتمني الموت منهي عنه إلا عند خوف الفتنة في الدين.

ومن هذا قصة الإمام البخاري رحمه الله عند ما امتُحن وابتلي دعا بالموت خوفًا على دينه.

قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك. « سير أعلام النبلاء» (12/466). 

أما ما جاء عن نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)﴾ [يوسف].

فهذا على أحد القولين أن يوسف تمنى الموت لمَّا رأى أن النِّعم قد اكتملت له، وهذا يكون منسوخًا بشرعِنا.

القول الثاني: أنه لم يتمنَّ الموت، وإنما سأل الله عزوجل أن يتوفاه على الإسلام إذا جاء أجله.

-الحث على الصبر.