جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 23 يوليو 2021

(1) من أحكام البيوع

 حكم بيع التقسيط

سُئِل والدي رحمه الله: ما حكم البيع بالتقسيط والذين يبيحون البيع بالتقسيط ويستدلون على ذلك بالآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ﴾ [البقرة:282 وقولِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَيسلف فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أو وَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، ولقصة بريرة الثابتة في «الصحيحين» فإنها اشترت نفسها من سادتها بست أواقٍ في كل عام أوقية، فهل هذه الأدلة صحيحة صريحة في هذا الحكم ؟ وهل يوجد فرق في الزيادة والنقصان، فما حكم الشرع في ذلك؟ نرجو الإجابة من الكتاب والسنة، فإِننا في حيرة من أمرنا؟

بيع التقسيط مختلَف فيه، فجمهور أهل العلم على إباحته كما في «نيل الأوطار» للشوكاني، والشوكاني رحمه الله تعالى يختار جوازه، وبيع التقسيط هو أن يقول البائع للمشتري: هذه السلعة بعشرين ألفًا نقدًا أو بخمسة وعشرين ألفًا نسيئة أي: بمهلة- هذا هو بيع التقسيط.

 أما أدلة المجيزين له، فإنهم يستدلون بحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أمر عبد الله بن عمرو أن يقترض له إبلًا إلى إبل الصدقة، ثم اقترض إبلًا، وبعدها يقول له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «البعير بالبعيرين» أي: إلى أن يأتي لهم، ونفدت إبل الصدقة، فإلى أن تأتي فالبعير ببعيرين، وهذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث، فهو حديث حسن. هذا أقوى أدلتهم، أما الأدلة الأخرى، فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾[البقرة:282 لا يدل على أن هناك زيادةً ونقصانًا، لا تدل الآية على هذا.

وهكذا كون بريرة اشترت نفسها ليس فيه أنه قيل لبريرة: إذا دفعتِ كذا وكذا فنحن نعتقك، وإذا كان لأجل مسمى فنزيد، ليس فيه أيضًا هذا.

 وأما حديث: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَليسلف فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» هذا أيضًا ليس فيه دليل، لماذا؟ لأن معناه إذا كنت تقدم الثمن السَّلف- السلف هو ماذا؟ هو: عند بعض العرب يقال له: سلف، وبعضهم يقول له:...، تقدم المال (الثمن) ويُؤخَّر المُثْمَن (الذي هو الحب أو التمر فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَليسلف فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، هذا ليس فيه دلالة أنهم كانوا يزيدون أو ينقصون.

الذين لا يقولون بإباحته وهو الأقرب؛ لأن فيه معنى الربا، أنا أقول لك: هذه السلعة بعشرين ألفًا نقدًا، أو بخمسة وعشرين ألفًا نسيئة، فيه معنى الربا، الذين لا يقولون بهذا، يقولون قبل كلِّ شيء: إن الربا في ستة أنواعٍ، كما جاء منصوصًا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وبه أخذ الظاهرية، فالإبل ليست من الستة الأنواع، أمر آخر يقولون -وهو صحيح أيضًا -: أن آيات الربا من آخر ما نزل، حتى إن عمر يقول: وددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عن أبواب من الربا، وعن الكلالة، وذكر خصلة ثالثة لا أذكرها الآن.

فالآيات والأدلة التي تدل على تحريم الربا متأخرة عن القصة التي أمر فيها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عبدَ الله بن عمرو بن العاص أن يستسلف البعير ببعيرين.

وهناك كتاب قيم أنصح بقراءته للشيخ محمد بن يحيى قِطران: «القول المجتبى في أدلة تحريم الربا»، هذا الكتاب هو ضمن ثلاث رسائل -أي: ثالث ثلاث رسائل- طُبعت، وهي توجد بمكتبة القُدس، قدَّمنا له، والحمد لله.

جاء في «سنن ابن ماجه» عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «الرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا»، انتهى الحديث عند ابن ماجه، زاد الحاكم: «أيسرها أن ينكح الرجل أمه» وهو بذلكم السند الصحيح، وقد جاء هذا الحديث من حديث البراء بن عازب، ومن حديث أبي هريرة ولا يصحان، لكن الصحيح هو حديث عبد الله بن مسعود.

إذا عرفتَ أن «الرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا»، وأن الذي بوَّب له العلماء أبواب يسيرة، فالأحوط أن تبتعد عن المعاملات الربوية، وعمَّا فيه شكٌّ، ففي «الصحيحين» من حديث النعمان بن بشير أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فقد اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى».

ثم أيضًا ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أنه قال كما في «السنن» و«المسند» من حديث الحسن بن علي: «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ»، وأيضًا يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «استفت قلبك، وإن أفتاك المفتون»، فالأمر أقل شيء إنه شبهة، على أنني أعتقد أن فيه معنى الربا، وأنه نوعٌ من الربا، فأنصح كل مسلم بالابتعاد عنه، والله المستعان.

الطالب: قال وهل يوجد فرق في الزيادة والنقصان؟

 الشيخ: هو هذا، هذا تعريف التقسيط، ثم هناك دليل ذكرته الآن في «السنن» أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.

وجاء في «السنن» لكنه معل عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا»، لكن يغني عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. وهو يشمل- وإن أوَّلوه- هو يشمل أيضًا ما سمعتموهُ، تشتري هذه السلعة بخمسة عشر ألفا نقدًا أو بعشرين نسيئة، وهكذا..، والله المستعان. اهـ من [ش/ آداب وأحكام العيد لوالدي الشيخ مقبل بن هادي رحمه الله]

وذهب أيضًا العلامة الألباني رحمه الله في «السلسلة الصحيحة» (5/2326) إلى تحريم بيع التقسيط، واستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.

وذكر أنه قول الأوزاعي وطاوس والثوري وابن حبان.

قال الشيخ الألباني رحمه الله : أقول هذا بيانا للواقع، ولكي لا يقول بعض ذوي الأهواء أو من لا علم عنده، فيزعم أن مذهب الأوزاعي هذا شاذ! وإلا فلسنا والحمد لله من الذين لا يعرفون الحق إلا بكثرة القائلين به من الرجال، وإنما بالحق نعرف الرجال.

وقال رحمه الله : واعلم أخي المسلم! أن هذه المعاملة التي فشت بين التجار اليوم وهي بيع التقسيط، وأخذ الزيادة مقابل الأجل، وكلما طال الأجل زيد في الزيادة، إن هي إلا معاملة غير شرعية من جهة أخرى؛ لمنافاتها لروح الإسلام القائم على التيسير على الناس والرأفة بهم، والتخفيف عنهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: « رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى» رواه البخاري.

وقوله: «من كان هينا، لينا، قريبا حرمه الله على النار». رواه الحاكم وغيره.

فلو أن أحدهم اتقى الله تعالى، وباع بالدَّين أو بالتقسيط بسعر النقد، لكان أربح له حتى من الناحية المادية؛ لأن ذلك مما يجعل الناس يُقبلون عليه ويشترون من عنده ويبارَك له في رزقه، مصداق قوله عز وجل: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ اهـ.