الغيرة بين الزوجين
عَنِ المُغِيرَةِ بن شعبة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ» رواه البخاري ومسلم.
قال ابن القيم رحمه الله في «روضة المحبين»(314):
ملاك الغيرة وأعلاها ثلاثة أنواع:
1-غيرة العبد لربه أن تنتهك محارمه وتضيع حدوده.
2-وغيرته على قلبه أن يسكن إلى غيره وأن يأنس بسواه.
3-وغيرته على حرمته أن يتطلع إليها غيره.
فالغيرة التي يحبها الله ورسوله دارت على هذه الأنواع الثلاثة.
وما عداها فإما من خدع الشيطان، وإما بلوى من الله كغيرة المرأة على زوجها. اهـ
وغيرة الرجل على زوجته محمودة-ما لم تتعدَّ حدود الشرع-، كغيرته عليها أن تنتهك حرمات الله، أو تطلعها إلى الرجال، وتأثرها بلباس الكفار وأحوالهم. هذا من الغيرة المحمودة.
فإن تعدَّت إلى سوء الظن بها مع أدبها وحِشْمَتِها، أو تطلُّب عثراتها وتخوُّنِها، فهي غَيْرةٌ مذمومة محرمة، من مخادعة الشيطان.
وينبغي للمرأة أن تبتعد عن إثارة غيرة الزوج، وعن جميع ما يكون سببًا للخلاف بينهما.
سمعت والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول: ينبغي للمرأة أن تراعي غيرةَ زوجها. اهـ
وغيرة المرأة على زوجها من ارتكاب الحرام، والتطَّلع إلى النساء والحرام. هذه غيرة محمودة.
ونتأمل عبارة ابن القيم بعد أن ذكر أنواع الغيرة المحمودة أردفها بقوله: وما عداها فإما من خدع الشيطان، وإما بلوى من الله كغيرة المرأة على زوجها. اهـ
(خدع الشيطان)أي: من مخادعة الشيطان، ومن هذا تجاوز الغيرة بين الزوجين، مثل: أن تؤدي إلى سوء الظن بالآخر مع السلامة، كما تقدم، وقد يكون سبب تجاوز الغيرة السحر.
ذكر لنا والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله أن امرأة سَحرت زوجها؛ لجذب محبته فانعكس الأمر، وأساء الظن بها، حتى إنه كان إذا أراد أن يخرج وضع لصقة على فرجها. اهـ
وقد يكون سبب تجاوز حد الغيرة الوسوسة الشيطانية، التي تجلب للزوجين الشك في الآخر.
(وإما بلوى من الله كغيرة المرأة على زوجها) أن يتزوج عليها، وغيرتها من ضرتها تعدُّ بلوى من الله سبحانه، إذ ليس هناك أي فائدة منها لا في الدنيا ولا في الدين، فلهذا كانت هذه الغيرة بلوى من الله، تقلقُ المرأة، وقد تُحَطِّمُ حياتَها، وتشغلها عن تأمين مستقبلِها الأُخروي، ﴿وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)﴾[غافر].
وذات مرة كان معنا في درس للوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في غيرة المرأة في هذا فقال: كلام فارغ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أوجه هذه السائلة أن تخفف من غيرتها، وإلا فإن من طبيعة المرأة أن تغار على زوجها، وهذا دليل على محبتها له، ولكني أقول:
الغيرة إذا زادت صارت غبَرة وليست غيرة.
ثم تتعب المرأة تعبًا شديدًا.
لذلك أشير على هذه المرأة أن تخفف من غيرتها.
وأشير على الرجل أيضًا أن يحمد الله على أن هيَّأ له امرأة صالحة تحبه؛ لأن هذا-أعني: التحاب بين الزوجين-مما يجعل الحياة بينهما سعيدة، وإلا فإن الغيرة أمر فطري لا بد منه. اهـ من [اللقاء الشهري (٣١) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله].
راحة النساء من الغيرة الجبليَّة في الجنة
قال ابن القيم رحمه الله في «روضة المحبين»(243): وصفهن –أي: نساء أهل الجنة-بالطهارة فقال: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾، طهرن من الحيض والبول والنجو، وكل أذى يكون في نساء الدنيا، وطُهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وتجنيهن عليهم وإرادة غيرهم.
اللهم
اجعلنا وآباءنا من أهل الجنة.