جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 22 يناير 2021

(96)الإجابةُ عن الأسئلةِ

 بسم الله الرحمن الرحيم

❖❖❖❖❖❖

السؤال: أحسن الله إليكم ونفعنا الله بعلمكم هلًّا أعطيتينا شرحًا لهذا الحديث، وما صحته؟ وهل يصح أن نقول: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عنده علم عن هذه الفتنه

وأن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تحدث أي فتنه؟

ولفظ الحديث:  حدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنِ الأَعْمَشِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي شَقِيقٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفِتْنَةِ ، قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ : قَالَ : إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لَجَرِيءٌ ، قُلْتُ : فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ ، وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، قَالَ : لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ ، وَلَكِنِ الفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ ، قَالَ : لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا ، قَالَ : أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ ؟ قَالَ : يُكْسَرُ ، قَالَ : إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا ، قُلْنَا : أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَمَا أَنَّ دُونَ الغَدِ اللَّيْلَةَ ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ ، ؟ فقال من بالباب؟ قال: عُمَرُ.

الجواب: الحديث رواه البخاري (525)، ومسلم (144).

أما هل يصح أن نقول: أن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان عنده علم بهذه الفتنة، فسؤالهم لحذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَمَا أَنَّ دُونَ الغَدِ اللَّيْلَةَ ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ .دليل أن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يعلم بها، وأنه يعلم أنه سيموت شهيدًا، وقد أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بذلك لما كان على جبل أُحد ،كما في حديث أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ» رواه البخاري (3675).

وقد قُتل رضي الله عنه وهو يصلي بالناس، قتله أبو لؤلؤة المجوسي.

أما عن كونه في زمن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لم تحدث أي فتنة؟

قال الإمام النووي رَحِمَهُ الله في شرح حديث حذيفة (2/ 175): وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَائِلَ بَيْنَ الْفِتَنِ وَالْإِسْلَامِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْبَابُ فَمَا دَامَ حَيًّا لَا تَدْخُلُ الْفِتَنُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَتِ الْفِتَنُ ،وَكَذَا كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

وقال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ الله في «البداية والنهاية» (6/ 227): وَهَكَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْدِ مَقْتَلِ عُمَرَ، وَقَعَتِ الْفِتَنُ فِي النَّاس، وتأكَّد ظُهُورُهَا بِمَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. اهـ.

وهذا يفيد أن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ باب حصين منيع في الأمان من الفتن وسد ظهورها، فإذا قتل -وهو المعبر عنه في هذا الحديث (قَالَ : يُكْسَرُ ، قَالَ : إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا) -فالفتن تظهر، وتنتشر، وتتابع، تموج كموج البحر، وكان مِن أعظم ذلك قتل عثمان بن عفان شهيدًا مظلومًا من قبل الخوارج، وقد قتل محاصرًا في داره ،وبين أهله، وعلى كِبر سنه، فقد كان ابن ثمانين عامًا، وقتل وهو يقرأ القرآن، وقد كان رضي الله عنه يذكِّر ببعض مناقبه، وأنه ليس عنده أي صفة يستحق بها القتل، من ذلك: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ، وَكَانَ فِي الدَّارِ مَدْخَلٌ، مَنْ دَخَلَهُ سَمِعَ كَلَامَ مَنْ عَلَى الْبَلَاطِ، فَدَخَلَهُ عُثْمَانُ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَتَوَاعَدُونَنِي بِالْقَتْلِ آنِفًا، قَالَ: قُلْنَا: يَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: وَلِمَ يَقْتُلُونَنِي؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إِسْلَامٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ »، فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا فِي إِسْلَامٍ قَطُّ، وَلَا أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا مُنْذُ هَدَانِي اللَّهُ، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا، فَبِمَ يَقْتُلُونَنِي؟ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَرَكَا الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» رواه أبو داود (4502)، وذكره والدي في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» (908).

وقد كانوا أرادوا من أمير المؤمنين عثمان خلع الخلافة فأبى؛ لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عهد إليه أن لا يتنازل عنها، وأنه لا يخلع قميصًا قمصه الله، كما في حديث عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عُثْمَانُ إِنَّهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلاَ تَخْلَعْهُ لَهُمْ. رواه الإمام الترمذي(3705)،  والحديث «الجامع الصحيح» (1589).

عرفنا مما تقدم :أن المراد ظهور فتن الحروب والقتل والقتال وانتشارها بعد مقتل عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أما أنه لا يوجد فتن أصلًا قبل ذلك فليس هذا هو المراد وقد ارتد بعض العرب في زمن أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فحاربهم، ومما قال: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. رواه البخاري (7284)، ومسلم (20) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

ونستفيد مما تقدم :اعتزال المسلم  الفتن، وأن يحذر من الولوج فيها، وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في أدلة كثيرة يحث على البعد عن الفتن، وعدم الدخول فيها؛ لأن القليل من يثبت عند رواج الفتن، يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ:  «سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» رواه البخاري (3601)، مسلم (2886)  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ايْمُ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا» رواه أبو داود (4263)، وهو في «الصحيح المسند»  (1140) لوالدي رَحِمَهُ الله.

نسأل الله أن يجنبنا الفتن، وأن يحفظ لنا ديننا.

❖❖❖❖❖❖