جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

اختصار الدرس السادس والثلاثين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

من آدَابِ القِرَاءةِ

الإخلاص

أول الآداب أنه يجب على القارئ الإخلاص.

فلا يقرأ القرآن تصنُّعًا للمخلوقين، ولا سمعةً ورياءً، ولا لأجل دنيا، بل يقرؤه ابتغاءَ وجه الله. وأحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار كان قارئًا للقرآن ومُتَعَلِّمًا ومُعلِّمًا؛ لكن ليُقالَ، كما في حديث أَبِي هُرَيرَةَ، قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ» الحديث وفيه: «وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمتُ العِلمَ، وَعَلَّمتُهُ وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ، قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ» رواه مسلم (1905).

ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَن يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» رواه البخاري (6499ومسلم (2987) عن جُندُبِ بن عبد الله رضي الله عنه.

وهذا دليل على خطر الرياء، وأنه من أسباب الخزي والفضيحة، وأنه يُفضح بدخول النار، فهذا ترهيب وتخويف من الرياء، نسأل الله العافية.

ومداخل الشيطان على العبد كثيرة، فإذا لم يقدر الشيطان أن يمنع من تعلم القرآن، ومن الصَّدِّ عن تعلم العلم النافع، فإنه ينتقل إلى الرياء وإلى إفساد النية، فالأمر يحتاج إلى مجاهدة حتى يصلح القلب، ويكون سليمًا نقيًّا من الأمراض، نسأل الله الإخلاص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من الآداب مع القرآن

الأدب مع القرآن أدب مع الله.

ونذكر هنا ملخَّصًا مختصَرًا  لأهَمِّ الآداب ؛ لضبطِهِ والانتفاع به:

-أن يخلص القارئ لله.

-أن يشعر بعظمة القرآن الكريم، وأنه كلام الله، فيقرأ بخشوع وتفهُّم وتدبر وترتيل .

-أن يراقب الله، فيكون عند قراءته كأنه يرى الله.

-أن يكون على طهارة.

-أن يستاك قبل القراءة.

-الاستعاذة عند قراءة القرآن.

-عدم قطع قراءة القرآن لغير حاجة.

-عدم التشويش على الآخرين عند قراءة القرآن برفع الصوت.

-إذا أُصيب بالإرهاق والنعاس فيؤجل التلاوة؛ لئلَّا يخلطَ بين الآيات...، يقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُم مِنَ اللَّيلِ، فَاستَعجَمَ القُرآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَم يَدرِ مَا يَقُولُ، فَليَضطَجِع». رواه مسلم (787) عن أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه.

-عرض القارئ صفاتِه وأخلاقه على القرآن، فما كان من صفات أثنى عليها القرآن ثبت عليها وتمسك بها وحمد الله على ذلك، وما كان من صفات أنكرها القرآن وحذر منها تاب إلى الله منها.

-اجتناب الضحك، والغفلة، وتفريق العينين. وعدم العبث بالأيدي عند قراءة القرآن.

-عدم تنظيف الأنف عند قراءة القرآن تأدبًا مع كلام الله.

-قطع التلاوة عند التثاؤب، وعند خروج الريح تأدبًا مع كلام الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استحضار القارئ أنه يناجي ربه

هذا من آداب تلاوة القرآن، والدليل عَن أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اعتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَسجِدِ، فَسَمِعَهُم يَجهَرُونَ بِالقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّترَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُم مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤذِيَنَّ بَعضُكُم بَعضًا، وَلَا يَرفَع بَعضُكُم عَلَى بَعضٍ فِي القِرَاءَةِ»، أَو قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ» رواه أبو داود (1332وصححه والدي رحمه الله في «الصحيح المسند»(419).

وكما أن الصلاة مناجاة لله، كما في حديث أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُم إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ» الحديث رواه البخاري (405ومسلم (551). فكذلك القرآن مناجاة لله.

ونستفيد من هذا:

-الحث على ترتيل القرآن وتدبره والتلذذ بقراءته.

-استحباب الطهارة عند قراءة القرآن، طهارة الظاهر والباطن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مراقبة الله

ينبغي للقارئ إحضار قلبه، وأن يستشعر بأن الله يراه، وهذه هي مراقبة الله، قال تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)﴾ [الشعراء]. وفي حديث جبريل عليه السلام في مراتب الدين الثلاث، ومنها: الإحسان، قال: «أَن تَعبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَم تَكُن تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» رواه البخاري (50ومسلم (9) عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه.

وهذا أدب جليل يغفل عنه كثير من الذين يقرؤون القرآن، ونسأل الله أن يصلحنا جميعًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استعمال السواك قبل القراءة

قال النووي رحمه الله: (وَيَنبَغِي إِذَا أَرَادَ القِرَاءةَ أَن يُنَظِّفَ فَمَهُ بِالسِّوَاكِ أَو غَيرِهِ)

مِن آداب قراءة القرآن استعمال السواك، والدليل: عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَولا أَن أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَو عَلَى النَّاسِ لَأَمَرتُهُم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ» رواه البخاري (887ومسلم (252)

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «السِّوَاكُ مَطهَرَةٌ لِلفَمِ، مَرضَاةٌ لِلرَّبِّ» رواه الإمام أحمد (7والنسائي (5) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها ، وعلقه البخاري (3/31).

 ولأن القارئ يناجي الله.

وسواء كان صائمًا أو لم يكن، وقبل زوال الشمس أو بعده، وقد منع بعضهم استعمال السواك للصائم بعد زوال الشمس، وعمومات الأدلة ترده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المواضع التي يتأكَّد فيها استحباب استعمال السواك:

-عند القيام من الليل؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» رواه البخاري (245ومسلم (255).

-عند الصلاة، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَولَا أَن أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرتُهُم بِالسِّوَاكِ عِندَ كُلِّ صَلَاةٍ».

-عند الوضوء، لقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَولا أَن أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرتُهُم بِالسِّوَاكِ عِندَ كُلِّ وُضُوءٍ» رواه النسائي في «الكبرى» (3021 وعلقه البخاري (3/31) عن أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه.

وقد ذكر الصنعاني في «سبل السلام» (1/57) جمعًا حسنًا بين هاتين الروايتين «عِندَ كُلِّ صَلَاةٍ»، و«عِندَ كُلِّ وُضُوءٍ» وقال: لَو قِيلَ: إنَّهُ يُلَاحَظُ المَعنَى الَّذِي لِأَجلِهِ شُرِعَ السِّوَاكُ، فَإِن كَانَ قَد مَضَى وَقتٌ طَوِيلٌ يَتَغَيَّرُ فِيهِ الفَمُ بِأَحَدِ المُتَغَيِّرَاتِ الَّتِي ذُكِرَت، وَهِيَ أَكلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَطُولُ السُّكُوتِ، وَكَثرَةُ الكَلَامِ، وَتَركُ الأَكلِ وَالشُّربِ، شُرِعَ وَإِن لَم يَتَوَضَّأ وَإِلَّا فَلَا لَكَانَ وَجهًا. اهـ.

- إذا دخل الرجل بيته، عَنِ شُرَيحِ بن هانئ، قَالَ: سَأَلتُ عَائِشَةَ، قُلتُ: بِأَيِّ شَيءٍ كَانَ يَبدَأُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ بَيتَهُ؟ قَالَت: «بِالسِّوَاكِ» رواه مسلم (253).

- عند الاحتضار، عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا، قَالَت: دَخَلَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أَبِي بَكرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَستَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلتُ لَهُ: أَعطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبدَ الرَّحمَنِ، فَأَعطَانِيهِ، فَقَصَمتُهُ، ثُمَّ مَضَغتُهُ، فَأَعطَيتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاستَنَّ بِهِ وَهُوَ مُستَسنِدٌ إِلَى صَدرِي».

في هذا الحديث استحباب السواك عند الاحتضار، وهذا يكون بتثبيت الله؛ فإن المحتضر يكون في شغل وعناء وكربة واسترخاء جسم.  ونسأل الله حسن الخاتمة.

- عند قراءة القرآن، وأُلحق بذلك مجالس العلم.

أما استعمال السواك في حلقات العلم فهذا ليس من الآداب، وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله ينكر على الطالب إذا رآه يستاك في حلقة العلم؛ لأن هذا يَشغل الطالب عن التركيز وكتابة الفوائد. ونبه على ذلك الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.

وينبغي  الاهتمام بالسواك في سائر الأوقات من غير مبالغة. قال ابن الملقِّن في «البدر المنير»(2/68): قد اجتمع بِحَمد الله وعونه من الأَحَادِيث فِي ذكر السِّوَاك زِيَادَةٌ عَلَى مائَة حَدِيث، كلُّها فِي السِّوَاك ومتعلقاته، وَهَذَا عَظِيم جسيم، فواعجبًا سنة وَاحِدَة تَأتي فِيهَا هَذِه الأَحَادِيث ويهملها كثير من النَّاس، بل كثير من الفُقَهَاء المشتغلين. وَهِي خيبة عَظِيمَة، نسأَل الله المعافاة مِنهَا. اهـ.

وقال ابن القيم في «زاد المعاد»(4/296): وَيَنبَغِي القَصدُ فِي استِعمَالِهِ، فَإِن بَالَغَ فِيهِ، فَرُبَّمَا أَذهَبَ طَلَاوَةَ الأَسنَانِ وَصِقَالَتَهَا، وَهَيَّأَهَا لِقَبُولِ الأَبخِرَةِ المُتَصَاعِدَةِ مِنَ المَعِدَةِ وَالأَوسَاخِ، وَمَتَى استُعمِلَ بِاعتِدَالٍ، جَلَا الأَسنَانَ، وَقَوَّى العَمُودَ، وَأَطلَقَ اللِّسَانَ، وَمَنَعَ الحَفَرَ، وَطَيَّبَ النَّكهَةَ، وَنَقَّى الدِّمَاغَ، وَشَهَّى الطَّعَامَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أفضل أنواع السواك

الأفضل في السواك أن يكون من شجر الأراك، والدليل عَنِ ابنِ مَسعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ» الحديث رواه أحمد (3991وهو في «الصحيح المسند» (837) لوالدي رَحِمَهُ الله.

وعود الأراك أحسن أنواع السواك؛ لرائحته الطيبة، ولأنه أبلغ في الإنقاء، وله حرارة تقلع بكتيريا الفم وأوساخه.

ويجوز استعمال سائر العيدان وبكل ما ينظف مع الحذر من العيدان السامة. قال ابن القيم في «زاد المعاد»(4/296): لَا يَنبَغِي أَن يُؤخَذَ مِن شَجَرَةٍ مَجهُولَةٍ، فَرُبَّمَا كَانَت سُمًّا.

ويكون السواك متوسطًا بين اليبس واللين، فلا يكون يابسًا قاسيًا؛ لأنه قد لا ينقي، وقد يضر بالأسنان وبالفم. ولا يكون لينًا شديد الرطوبة؛ لأن هذا لا يؤدي الغرض من السواك.

وهنا بعض الأمور من المنظفات:

-الخرقة الخشنة؛ لأن اللينة لا تكون منقية، قال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (1/146): ومعناه: أن يجعل الخِرقَة على الأصبع ملفوفة ويتسوَّك بها، الإِنقاء بالخِرقَة، أبلغُ من الإِنقاء بمجرَّد الأصبع. اهـ.

-الأصبع الخشنة لا بأس به، والله أعلم. والتقييد بالخشنة؛ ليخرج الأصبع اللينة، قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (1/348): أما الإصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السواك بلا خلاف. اهـ.

-الأشنان، معروفة عند المتقدمين، كان عندهم بمنزلة الصابون في أزماننا، ينظف الثياب والأواني، وهو: نبت من النبات، يدق فيخرج حبوب مثل: السكر يغسل به وينقي.

- فرشاة الأسنان البلاستيكية، والأفضل ما تقدم عود الأراك.

-القرنفل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيفية الاستياك

-الاستياك طولًا أو عرضًا، الأمر في هذا واسع على حسب الاحتياج.

وذهب الفقهاء أنه يستاك عرضًا لا طولًا. ودليل هذا القول حديث: «إذا استكتم، فاستاكوا عرضًا»، ولكنه حديث لا يثبت. يراجع «التلخيص» (1/108).

وقد ذهب إلى ذلك الجمهور. وعللوا بأن الاستياك طولًا يدمي اللثة، ويفسد عمور الأسنان. وعمور الأسنان: اللحم الذي يتخلل الأسنان.

وبعض الأطباء العصريين ينصحون أن يكون السواك طولًا، يقولون: لأن هذا أرفق بالأسنان وأنقى في تنظيفها.

-البدء بالجانب الأيمن في السواك، عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأنِهِ كُلِّهِ». متفق عليه البخاري (168ومسلم (268).

فمن المستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن من فمه، وهذا من طرق وأبواب الخير الكثيرة، فإذا استاك وبدأ بالجانب الأيمن؛ تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وابتغاء الأجر يكون مأجورًا، والقليل من يوفَّقُ لذلك، ويعمل بهذه  الأمور الدقيقة، ويحرص على المستحبات، والموفق من وفقه الله.

-إمرار السواك على اللسان :عن أبي موسى قَالَ: «أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدتُهُ يَستَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ: أُع أُع، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ» رواه البخاري (244) واللفظ له، ومسلم (254).

 قال الحافظ في «فتح الباري»: يُستَفَادُ مِنهُ مَشرُوعِيَّةُ السِّوَاكِ عَلَى اللِّسَانِ طُولًا، وَفِيهِ تَأكِيدُ السِّوَاكِ وَأَنَّهُ لَا يَختَصُّ بِالأَسنَانِ. اهـ المراد.

ونستفيد من هذا الحديث: استحباب السواك لِمن ليس له أسنان؛ لتطهير اللثة وجوانب الفم واللسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن منافع وفوائد السواك:

-ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «السِّوَاكُ مَطهَرَةٌ لِلفَمِ، مَرضَاةٌ لِلرَّبِّ» فالسواك يطهر الفم، ومن أسباب رضى رب العالمين، والفوز برضا الله غاية مطلب كل مؤمن ومؤمنة.

-يحافظ على الأسنان من التسوس والضعف، ويقوِّي اللثة.

-من أسباب الفطنة، والذكاء، وصفاء الذاكرة.

-أنه يطرد النعاس.

-أنه يزيد في العقل، وهذا الأخير نسبه ابن القيم رحمه الله إلى الشافعي رَحِمَهُ الله، وقال: وَأَربَعَةٌ تَزِيدُ فِي العَقلِ: تَركُ الفُضُولِ مِنَ الكَلَامِ، وَالسِّوَاكُ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ، وَمُجَالَسَةُ العُلَمَاءِ. «زاد المعاد»(4/376).

تنبيه: الذكر عند استعمال السواك ليس فيه دليل صحيح، فعلى هذا تحري ذلك بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أَحدَثَ فِي أَمرِنَا هَذَا مَا لَيسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ»رواه البخاري (2697ومسلم (1718) عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاستياك بسواك الغير

قال الإمام البخاري رَحِمَهُ الله (بَابُ: مَن تَسَوَّكَ بِسِوَاكِ غَيرِهِ). ثم أخرج حديث رقم (890) عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا، قَالَت: دَخَلَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أَبِي بَكرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَستَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلتُ لَهُ: أَعطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبدَ الرَّحمَنِ، فَأَعطَانِيهِ، فَقَصَمتُهُ، ثُمَّ مَضَغتُهُ، فَأَعطَيتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاستَنَّ بِهِ وَهُوَ مُستَسنِدٌ إِلَى صَدرِي».

«ثُمَّ مَضَغتُهُ» لتليين السواك. والزوجان غالبًا لا يتقزَّز أحدهما من ريق الآخر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُم فَلاَ يَمسَح يَدَهُ حَتَّى يَلعَقَهَا أَو يُلعِقَهَا» رواه البخاري (5456ومسلم (2031) عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا.

قال أهل العلم «أَو يُلعِقَهَا» أي: يلعِقَها غيره كالخادم والزوجة.

وأما ما جاء عَن عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» رواه الإمام أحمد (41/398وأبو داود (2386) فهذا لا يصح؛ لأنه من طريق محمد بن دينار، عن سعد بن أوس، عن مصدع أبي يحيى الأنصاري، عَن عَائِشَةَ، به. وهؤلاء الثلاثة ما بين ضعيف ومجهول حال.

ومن الأدلة أيضًا: عَن ابنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ، أَحَدُهُمَا أَكبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلتُ السِّوَاكَ الأَصغَرَ مِنهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّر، فَدَفَعتُهُ إِلَى الأَكبَرِ مِنهُمَا». رواه البخاري(246ومسلم(2271).

وفي الحديث أن الكبير يُقدَّم في إعطاء السواك.

ومن أحكام السواك: أنه ينبغي غسل السواك  بعد استعماله وتنظيف ما عَلِق فيه من الفم. وقد بوب الإمام أبو داود في «سننه» (بَابُ غَسلِ السِّوَاكِ) ثم أخرج (52) عَن عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَت: «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَستَاكُ، فَيُعطِينِي السِّوَاكَ لِأَغسِلَهُ، فَأَبدَأُ بِهِ فَأَستَاكُ، ثُمَّ أَغسِلُهُ وَأَدفَعُهُ إِلَيهِ». وإنما  تسوكت عائشة رضي الله عنها به قبل غسله تبرُّكًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم قراءة القرآن لمن كان في فمه دم

دم الإنسان: دم فمه، وأنفه، وجروحه طاهر على الصحيح،خلافًا لِما قرره النووي من القول بنجاسته.

وفي المسألة أدلة: من ذلك عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رضي الله عنهمَا في قتلى أحد أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َأَمَرَ بِدَفنِهِم فِي دِمَائِهِم، وَلَم يُغَسَّلُوا، وَلَم يُصَلَّ عَلَيهِم. رواه البخاري (1343).

 ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون في جراحاتهم، والأصل في الدماء عمومًا الطهارة لا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل كدم الحيض والنفاس.

قال الشوكاني رَحِمَهُ الله في «السيل الجرار» (1/31): الأصل طهارة الدم؛ لعدم وجود دليل ناهض يدل على نجاسته. اهـ.

وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «الصحيحة» (1/605) بعد أن تكلم على نجاسة دم الحيض: وأما سائر الدماء فلا أعلم نجاستها. اهـ. وينظر أيضًا: كلام الشيخ الألباني في «تمام المنة» ص (52-53).

وقد ذهب النووي رَحِمَهُ الله إلى كراهية قراءة القرآن لمن كان في فمه دم، ولا دليل على الكراهة، ولكن هذا من باب تمام النظافة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من أسباب زيادة العقل

تقدم أن من فوائد السواك أنه يزيد في العقل.

ومن الأشياء أيضًا التي تزيد في العقل:

قوة الإيمان، وكذا العلم النافع؛ لأنه منبع كلِّ خير، بخلاف الجهل فإنه يدل على ضعف العقل، وذكروا أيضًا اللغة العربية أنها تزيد في العقل، والتشبه بالصحابة والتابعين.

قال شيخ الإسلام في «اقتضاء الصراط» (ص219): اعلم أن اعتياد اللغة يُؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًا بينًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخُلُق. اهـ.

أيضًا مما يزيد في العقل كما  قال الشافعي رَحِمَهُ الله: أَربَعَةٌ تَزِيدُ فِي العَقلِ: تَركُ الفُضُولِ مِنَ الكَلَامِ، وَالسِّوَاكُ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ، وَمُجَالَسَةُ العُلَمَاءِ. كما في «زاد المعاد»(4/376).  

والإنسان بحاجة إلى الأسباب التي تزيد في العقل والرزانة، حتى لا يكون خفيفَ العقل، وصاحب طيش وخِفَّة، وخاصة نحن النساء بحاجة إلى هذه الأمور أكثر؛ لكون المرأة ناقصة عقل ودين، فينبغي أن تحرص المرأة على الأسباب التي تزيد في العقل أكثر من الرجل. الله يوفق الجميع لكل خير.