جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 27 ديسمبر 2020

(85)الإجابةُ عن الأسئلةِ

  بسم الله الرحمن الرحيم

❖❖❖❖❖❖

السؤال: جزاكم الله خيرًا، عندي معلومة أن صفة شيء تثبت لله في قوله (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) فهل هذا صحيح؟ وهل يدعى بها الله؟

الجواب: الله عز وجل يوصف بأنه شيء، وقد بوب الإمام البخاري رَحِمَهُ الله في «صحيحه» في كتاب التوحيد باب (بَابُ ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ﴾ [الأنعام: 19]، «فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا..) أي: وصف الله نفسه بذلك. وهذا الذي استفدناه من والدي رَحِمَهُ الله أن الله عز وجل يوصف بأنه شيء للآية ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ﴾. 

وذهب جماعة من العلماء إلى أنه يخبر عن الله بأنه شيء. والإخبار كما هو معلوم أوسع من باب الصفات، وهذا ذهب إليه شيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم رَحِمَهُما الله، ومن عبارات ابن القيم في «بدائع الفوائد» (1/161):ويجب أن تعلم أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا. اهـ.

أما هل يدعى الله عز وجل بها مثلًا يقال يا شيء؟

فالجواب: لا يجوز دعاء صفات الله عز وجل، وإنما الله عز وجل هو الذي يُدعى وليس صفاته، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف:180]. 

وقد ذكر شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في كتابه «الاستغاثه في الرد علي البكري»( 114)هذه المسألة، وقال: وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين، فهل يقول مسلم: يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغثني أو أعنِّي، أو: يا علم الله، أو: يا قدرة الله، أو: يا عزة الله، أو: يا عظمة الله ونحو ذلك؟. 

وللشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله جواب بنحو هذا وزاد تفصيلًا؛ لأن بعض الناس قد لا يريد دعاء الصفة،  فيقول رحمه الله في «مجموى فتاوى ورسائل العثيمين» (2/ 165):إذا كان مراد الداعي بقوله: (يا رحمة الله) الاستغاثة برحمة الله  تعالى يعني: أنه لا يدعو نفس الرحمة ولكنه يدعو الله  سبحانه وتعالى أن يعمه برحمته كان هذا جائزًا، وهذا هو الظاهر من مراده، فلو سألت القائل هل أنت تريد أن تدعو الرحمة نفسها أو تريد أن تدعو الله  عز وجل ليجلب لك الرحمة؟ لقال: هذا هو مرادي.

أما إن كان مراده دعاء الرحمة نفسها فقد سبق جوابه ضمن جواب السؤال السابق. اهـ. ويقصد بالذي سبق:أنه لا يجوز دعاء الصفة نفسها وأن هذا من الشرك.

 

❖❖❖❖❖❖

السؤال: أحاول إخلاص النية ولكن الشيطان يتلاعب بي حتى ما عرفت أنا مخلصة أو لا؟ وأرجو منك الدعاء لي بالثبات؟

لاشك أن الشيطان حريص على إحباط العمل وإفساده بالرياء والسمعة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)  ﴾ [فاطر]. 

وأنصح نفسي وإياك بما يلي:

الاهتمام بالعلم النافع، فالعلم نور وسبب لخشية الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28]. وهو حياة للقلوب من جميع الأمراض، ومن وسوسة الشيطان ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) ﴾ [الأنعام].  فيُرجى لمن جد واجتهد في طلب العلم أن ينور الله بصيرته ويكفيه مكره عدوه ووسوسته، كما قال جمع من السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون لله.

الإكثار من ذكر الله عز وجل والدعاء، فذكر الله سعادة، ومن أسباب صلاح القلب وحياته. روى البخاري (6407)،ومسلم (779) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ».

المجاهدة، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾ [العنكبوت]. 

الحذر من أمراض القلوب: كالكبر، والفخر، والعجب، والنفاق، والحسد. فإنها مهلكة، وتجر صاحبها إلى الشقاوة. قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «مجموع الفتاوى» (26/ 263):الحاسد من طلبة العلم مشكوك في نيته وإخلاصه في طلب العلم؛ لأنه إنما حسد لكون الثاني صار له جاه عند الناس، وله كلمة والتفَّ الناس حوله فحسده، لكونه يريد الدنيا. أما لو كان يريد الآخرة حقًّا، ويريد العلم حقًّا، لسأل عن هذا الرجل الذي التفّ الناس حوله وأخذوا بقوله. تسأل عن علمه لتكون مثله أيضًا، تجيء أنت لتستفيد منه، أما أن تحسده وتشوه سمعته، وتذكر فيه من العيوب ما ليس فيه، فهذا لا شك أنه بغي وعدوان وخصلة ذميمة. اهـ. 

تذكير النفس باستمرار بأدلة الترهيب والتخويف من الرياء وأنه سبب لعذاب الله عز وجل ومقته.

ترغيب النفس في المعالي، وما للمخلص من الأجور والسعادة، وأنه إذا أخلص لله يكون في حصن حصين وفي أمان من الشيطان الرجيم، فقد أقسم بالله تعالى، وقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ﴾ [ص].

 سابقى إلى الأعمال الصالحة ولا تتواني فيها؛ ليزداد إيمانك وتقوى عقيدتك ويقوى إيمانك بالقدر؛فإن هذا يعين على الإخلاص.

وقد ذكر والدي في مقدمة «الجامع الصحيح في القدر» من ثمرات الإيمان بالقدر: الإخلاص، قال رحمه الله: فالذي يؤمن بالقدر لا يعمل العمل من أجل الناس؛ لأنه يعلم أنهم لا يستطيعون أن ينفعوه بشيء لم يقدره الله، ولا يستطيعون أن يضروه بشيء لم يقدره الله عليه. اهـ.

معرفة أن الذي لا يخلص يتعب من غير فائدة فليس له أجر في عبادته ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾ [الكهف].

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله  في «بدائع الفوائد»( 49): الْعَمَل بِغَيْر إخلاص وَلَا اقْتِدَاء كالمسافر يمْلَأ جرابه رملا يثقله وَلَا يَنْفَعهُ. اهـ.

وكونك تشعرين في نفسك بعدم الإخلاص هذا قد يكون من الشيطان؛ ليشغلك ويعذبك بالوساوس.

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «فتاوى نور على الدرب» (4/ 2): الشعور بالرياء من الشيطان؛ليصد الإنسان عن طاعة الله عز وجل، والشيطان- أعاذنا الله وإياكم منه- يشم القلب، فإن وجد منه قوة على الطاعة رماه بهذا السهم سهم الرياء وقال: إنك مُراءٍ، وإن رأى معه ضعفًا في الطاعة رماه بسهم التهاون والإعراض حتى يدع العمل. فعلى المرء أن يكون لديه قوة ونشاط، وإذا طرأ عليه أنه يصلي رياء أو يتصدق رياء أو يقرأ رياء فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليمض ولا يهتم بهذا. اهـ.