جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 28 يوليو 2020

(1 ) من أحكام الأضاحي


من أكل الأضحية كلها ولم يعطِ منها شيئًا

السنة أن يتصدق منها بشيء،لقول الله تعالى:﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾.

وليس عليه ضمان،لأن العطاء من الأضحية مستحب، قال ابن عبد البر في «التمهيد»(3/218): جائزٌ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ أُضْحِيَتَهُ كُلَّهَا ،وَجَائِزٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَدَّخِرَ وَأَنْ لَا يَدَّخِرَ، وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ ،وَيَكْرَهُونَ لَهُ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِشَيْءٍ.اهـ

ومن قال عليه الضمان فقوله معتمد على وجوب التصدق من الأضحية، ولكن الصحيح أن التصدق منها مستحب،فعلى هذا لا يضمن.

 ولكن إذا لم يعطِ منها شيئًا فإنه يفوته أجر عظيم ،ويفوته الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ورحم الله والدي الشيخ مقبل رحمه الله صاحبَ العلم والعمل فقد كان يحث على الصدقة من الأضحية،ويتصدق من أُضحيته بما شاء الله.

وقد سمعته في خطبة عيد الأضحى يحث على ذلك ويقول:وأسأل الله أن يعينني على نفسي،وألا أكون مثل ذلك الرجل الذي حث الناس في الخطبة على الصدقة من الأضاحي،فرجع وقد ذبح ولده الأُضحية وتصدق.فسأله أين اللحم؟قال:تصدقت به لأني سمعتك تعظ الناس به.

فقال له:أنا قلت يا أيها الناس.ولم أقل(يا أيها نحن). والله أعلم.

وهذا شأن المتقين الخوف من مخالفة العمل القول ،ولا يخفى علينا الحديث الذي رواه مسلم (2989) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ "،وهذا من الخزي والفضائح للذي لا يعمل بعلمه،نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقت ذبح الأضحية

عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ» رواه البخاري (965)،ومسلم(1961).

من فوائد هذا الحديث:

 أن ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد،وصلاة العيد تكون بعد طلوع الشمس حين ترتفع الشمس قِيد رمح،وهذا يُقدَّر بعشر دقائق،أو خمس عشرة دقيقة.

 أن من ذبح قبل صلاة العيد فإنه لا يُجزؤه.

ومن الأقوال ما ذكره الحافظ ابن كثير عن الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ:أنَّ أَوَّلَ وَقْتِ ذبح الأضاحي إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَتَيْنِ.

وذكره أيضًا النووي في «المجموع »(8/389)،وهذا يرده الحديث المذكور وما في معناه أن ذبح الأُضحية لا يكون إلا بعد صلاة العيد ،قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد»(2/289):هَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّتُهُ وَهَدْيُهُ،لَا الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، بَلْ بِنَفْسِ فِعْلِهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ اهـ.

 وعلى من ذبح قبل الصلاة أن يبدل مكانها بأخرى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ»رواه البخاري (5500)،ومسلم(1960) عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ البَجَلِيِّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم ذبح الأُضحية قبل أن يذبح الإمام

عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ..»

عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَحَرَ، «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم»رواه مسلم (1964).

قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»(13/118):هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي الذَّبْحُ إِلَّا بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ،وَالْجُمْهُورُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ زَجْرُهُمْ عَنِ التَّعْجِيلِ الَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إِلَى فِعْلِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ التَّقْيِيدُ بِالصَّلَاةِ وَأَنَّ مَنْ ضَحَّى بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ وَمَنْ لَا فَلَا.اهـ

 ومن الأدلة أيضًا:عن جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ البَجَلِيِّ:«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ».

فالمعتبر صلاة العيد كما دل عليه هذا الحديث وما في معناه ،فلو صلى ثم انصرف قبل الخطبة وذبح قبل ذبح الإمام جاز له ذلك.

 وإذا كان الإمام يذبح أضحيته في المصلى كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك،كما جاء عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْحَرُ، أَوْ يَذْبَحُ بِالْمُصَلَّى» رواه البخاري (982) فهنا يكون الأفضل أن لا تُذبح الأضحية حتى يذبح الإمام وأن لا يتعجل.قال النووي في«شرح صحيح مسلم»(13/110): أَمَّا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْبَحَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَحِينَئِذٍ تجْزِيهِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ.

وقد ذكر هذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «شرح الممتع » (7 / 462 ).

مسألة أيام الذبح:

القول الأول:قال ابن كثير: (ثُمَّ قِيلَ: لا يشرع بالذبح إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَحْدَهُ.) قال ابن القيم في «زاد المعاد في هدي خير العباد» (2 / 292 ): وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، لِأَنَّهُ اخْتُصَّ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ حُكْمِهَا بِهِ، وَلَوْ جَازَ فِي الثَّلَاثَةِ لَقِيلَ لَهَا: أَيَّامُ النَّحْرِ كَمَا قِيلَ لَهَا: أَيَّامُ الرَّمْيِ وَأَيَّامُ مِنًى، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَلِأَنَّ الْعِيدَ يُضَافُ إِلَى النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ كَمَا يُقَالُ عِيدُ الْفِطْرِ.

القول الثاني:قال ابن كثير:(وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ لِتَيَسُّرِ الْأَضَاحِيِّ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ).

القول الثالث:قال ابن كثير:(وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمٌ بَعْدَهُ لِلْجَمِيعِ، وَقِيلَ: وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قال الإمام أَحْمَدُ.) وذهب إليه جمهور الحنابلة وهو قول مالك وأبي حنيفة كما في «زاد المعاد» (2 / 292).

 ودليل هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل من الأضحية فوق ثلاثة أيام، قالوا: هذا دليل على أن الثالث عشر ليس أيام الذبح.

قال ابن قدامة في «المغني» (3 / 385 ):وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ مَشْرُوعًا فِي وَقْتٍ يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ، ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ، وَبَقِيَ وَقْتُ الذَّبْحِ بِحَالِهِ.ا هـ.

والجواب عن هذا الاستدلال من «زاد المعاد» (2 / 290)أنه لا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى نَهْيِ الذَّابِحِ أَنْ يَدَّخِرَ شَيْئًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِهِ، فَلَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَجَازَ لَهُ الِادِّخَارُ وَقْتَ النَّهْيِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.ا هـ.

هذا الحديث فيه النهي عن ادخار الأضحية فوق ثلاثة أيام، وليس فيه أن هذه الثلاثةَ الأيام المذكورة  أيام ذبح، فلو ذبح مثلًا: في الثاني عشر يجوز له الادخار الثاني عشر،والثالث عشر والرابع عشر، وكان هذا النهي في أول الإسلام لوجود مجاعة حصلت، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الادخار فوق ثلاث أيام ثم نسخ هذا، وقال صلى الله عليه وسلم: كلوا وادخروا.

القول الرابع:قال ابن كثير: (وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «أيام التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ.)هذا القول الصحيح أيام النحر أربعة أيام، يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة. والدليل حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «أيام التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ» وهذا قول الشافعي وجاء عن علي بن أبي طالب والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي واختاره ابن المنذر كما في «زاد المعاد» (2 /292).

القول الخامس:قال ابن كثير: (وَقِيلَ: إِنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ إِلَى آخَرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ) فما عليه دليل بل يرده قول النبي صلى الله عليه وسلم «أيام التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ».

ولكن الأفضل أن يضحي يوم النحر،لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحى يوم النحر.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «أيام التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ» استدل به بعضهم على أن ذبح الأضحية لا يكون في الليل؛ لأنه نص على اليوم،وكذا استدلوا بقول الله عز وجل: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ

وذهب أكثر الفقهاء إلى أنه يجوز الذبح في الليل، لأن هذه الأيام أيام ذبح فالليل داخل في مدة الذبح، وأما احتجاج من منع لأن الدليل جاء في ذكر الأيام فهذا قد أجاب عنه الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (7 / 463 ) وقال: الجواب عن هذا الاستدلال أن يقال: إن العرب يطلقون الأيام على الليالي، فيقال: أيام ويشمل الليالي، ويطلقون الليالي ويريدون الليل والنهار مثل قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، أي عشر ليال والمراد الليالي والأيام. ا هـ.