جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 1 مايو 2020

(7) دروس مختصرة في الصيام من كتاب عمدة الفقه الحنبلي




الدرس السابع في أحكام القضاء




قال ابن قدامة:

ومن أخر القضاء لعذر حتى أدرك رمضان آخر فليس عليه غير القضاء وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينا.

وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه

وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكينا إلا أن يكون الصوم منذورا فإنه يصام عنه ،وكذلك كل نذر طاعة

الشرح

قوله:(ومن أخر القضاء لعذر حتى أدرك رمضان آخر فليس عليه غير القضاء ،وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينا )

ذكر رحمه الله  حالتَين لمن أخر القضاء حتى أدرك رمضان الـآخر:

الأولى: إنْ كان له عذر واستمر  فلا إثم عليه وعليه القضاء ،والدليل قوله تعالى:( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ).

الثانية:إن كان بغير عذر ، و إنما تفريط وتساهل منه ، فهذا ذهب بعضُ أهل العلم وهم الجمهور أنه عليه القضاء و أيضًا يطعم عن كل يوم مسكين.

ودليل هذا القول بعض الأحاديث الضعيفة وبعض الآثار.

 ومن أهل العلم من قال: ليس فيه إلا القضاء،وليس هناك ما يُلزم بالفدية.وهذا قول إبراهيم النخعي وأبي حنيفة،واختاره البخاري في صحيحه (تبويب حديث 1950)،وهو قول والدي الشيخ مقبل،والشيخ ابن عثيمين،قال رحمه الله في «الشرح الممتع» (6/446) :الصحيح في هذه المسألة، أنه لا يلزمه أكثر من الصيام الذي فاته إلا أنه يأثم بالتأخير.اهـ

وهذا القول هو الذي يدل له ما رواه مسلم (1148)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ».

وهو آثمٌ على تفريطه  وتساهله ،إذ لا يجوز تأخير الصيام حتى يأتي رمضان الآخر لغير عذر ،و الدليل  عن عائشة رضي الله عنها قالتكان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان.

فلم تؤخر القضاء أم المؤمنين إلا إلى شعبان فحسْب.

قوله:(وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه)

هذه المسألة فيمن كان عليه قضاء واستمر عذره كمرض أو سفر أو حائض أفطرت في أول رمضان ثم ماتت في آخره ..هؤلاء من مات منهم لا يُقضى عنه عند أهل العلم،لعدم التمكُّن من القضاء،فهم معذورون شرعًا. قال النووي في «المجموع»(6/372):لا شيء عَلَيْهِ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا،وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُور.

 قَالَ الْعَبْدَرِيُّ:وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا طَاوُسًا وَقَتَادَةَ فَقَالَا: يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فَأَشْبَهَ الشَّيْخَ الْهَرِمَ.اهـ

 قوله:(وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكينا إلا أن يكون الصوم منذورا فإنه يصام عنه)

هذه المسألة فيمن كان عليه قضاء وزال عذره ،بمعنى تمكن من القضاء  ثم مات  قبل أن يصومَ ، هذا يُقضى عنه ، والدليل عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(مَن مات وعليه صيامٌ، صامَ عنه وليُّه)متفق عليه.              



أما جمهور الحنابلة فعندهم لا يقضى عنه ،ولكن يطعم عن كل يوم مسكين إلا إذا كان صيام نذر فقالوا: يقضي عنه ، و الصحيح ما تقدم .وقد رجحه الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(6/451)،وقال عن حديث: «من مات وعليه صوم» شامل لكل صور الواجب، وهذا هو القول الصحيح وهو مذهب الشافعي وأهل الظاهر.اهـ



وقوله:(وكذلك كل نذر طاعة)

يعني:من مات وعليه نذر سواء نذَرَ أن يصوم  ،أو نذرَ أن يحج ،أو نذر أن يعتكف،أو نذر أن يصلي.. يُقضى عنه.

ودليل قضاء  نذر الصوم:عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ».رواه البخاري(1953)،ومسلم (1148)واللفظ لمسلم.

ودليل نذر الحج:عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ»رواه البخاري(1852).


وأما من مات وعليه نذر اعتكاف ،أو نذر صلاة..فليس فيه دليل على القضاء عنه.


قال الشيخ ابن عثيمين في «فتاوى نور على الدرب»:الميت إذا مات فإنه لا يقضى عنه شيء من العبادات إلا ما جاء به النص،والنص جاء بقضاء الحج عنه وقضاء الصوم.

وأما الصلاة فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بقضائها،فإذا مات الإنسان وعليه صلوات لم يصلها فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه بدلًا عن الصلاة،لأن ذلك لم يرد، والعبادات توقيفية إذا لم ترد عن الشرع فليس لنا أن نشرع منها شيئًا.اهـ

انتهى الدرس السابع ولله الحمد والمنة.