جديد الرسائل

الثلاثاء، 14 أبريل 2020

(83)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


الدرس التاسع [سورة الحج (22) : آية 18]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (18).

v  في هذه الآية الكريمة سجود المخلوقات كلها لله ، وكما قال سبحانه ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾[الرعد]وقال سبحانه:﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾[الرحمن]،وهذا السجود عام ،والسجود العام كما قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين» (1 / 128):هُوَ سُجُودُ الذُّلِّ وَالْقَهْرِ وَالْخُضُوعِ، فَكُلُّ أَحَدٍ خَاضِعٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ، ذَلِيلٌ لِعِزَّتِهِ، مَقْهُورٌ تَحْتَ سُلْطَانِهِ تَعَالَى.

v  وهناك سجود خاص قال تعالى في هذه الآية ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ﴾ قال ابن كثير : [وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَيْ يَسْجُدُ لِلَّهِ طَوْعًا مُخْتَارًا مُتَعَبِّدًا بِذَلِكَ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ أَيْ مِمَّنِ امْتَنَعَ وَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ ] وقال سبحانه في السجود الخاص:﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾[الأعراف] وقال تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾[الإسراء]

وسجود الجمادات والحيوانات لله  نؤمن به وله حقيقة ولكن لا نعرفها كما قال تعالى في التسبيح:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء] ومن الأحاديث التي ذكرها ابن كثير هاهنا حديث أبي ذر في سجود الشمس فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ تُسْتَأْمَرُ فَيُوشِكُ أَنْ يُقَالَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ».

هذا فيه سجود الشمس لله  تحت العرش نؤمن بذلك،ولا يجوز لأحد أن يضيق من الأمور الغيبية التي ذكرها الله ،بل علينا الانقياد والتسليم.

وقد ذكر لنا والدي الشيخ مقبل رحمه الله أن محمد رشيد رضا ينكر  هذا الحديث.

فتعقَّبه والدي،وقال:الحديث ثابت في الصحيحين..

وكان يذكر لنا والدي ثناءَ الشيخ الألباني على محمد رشيد رضا،لأن الله هدى الشيخ الألباني للسنة على يديه. وذكر والدي لمحمد رشيد أخطاء في العقيدة وأنه لم يسبقه أحد من السلف إليها .ثم قال متعقِّبًا ثناء الشيخ الألباني على محمد رشيد رضا: ومثل هذا لا يساوي شيئًا.اهـ

نعم لأنه إذا تعارض جرح وتعديل فيقدَّم الجرح إذا كان مفسَّرًا.

 فعلينا أن نحذر المبتدعة وسائر الذين هم ليسوا على المنهج الصحيح،ومن القراءة في كتبهم.

ومحمد رشيد رضا عنده تفسير يقال له «المنار»،وهذا كلام لوالدي من كتابه « غارة الأشرطة »على هذا الكتاب،يقول رحمه الله:

أما « تفسير المنار » فهو بالظلام أشبه ، وقد وضعناه في دولاب كتب الضلال ، وتكلمنا عليه في « ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر » ، وكان في العنوان زيادة «وبيان بعد محمد رشيد رضا عن السلفية» فهو يضيق صدره بكثير من المعجزات التي ذكرت في القرآن ، وشيخه محمد عبده المصري الماسوني، وشيخ محمد عبده  جمال الدين المتأفغن الماسوني .فلا مجال للكلام على هذا في هذا المجلس ، وأنا أنصح بالرجوع إلى تلك النسخة التي كتبناها وهي« ردود أهل العلم على الطاعنيين في حديث السحر وبيان بعد محمد رشيد رضا عن السلفية ».اهـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: حديث «أن سورة الحج فضلت بسجدتين»جاء مرسلا من مراسيل خالد بن معدان.رواه أبو داود في المراسيل.

وجاء عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سجدتان.رواه أبو داود وابن ماجه.

وهو حديث ضعيف.قال الحافظ في«التلخيص الحبير»(2/18): فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَنِينَ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ الْحَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ الْعُتَقِيُّ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: لَيْسَ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ.

وتعقَّب الألباني في «تمام المنة»(269)سيد سابق تحسينَه لهذا الحديث،وقال:كلا-حرف ردعٍ وزجر-ليس بحسن لأن فيه مجهولَين..

ولذلك اختار الطحاوي أن ليس في الحج سجدة ثانية قرب آخرها وهو مذهب ابن حزم في "المحلى" قال:لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها،وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها.اهـ أي:السجدة الثانية.

ويعني يالسجدتَين:هذه الآية﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَر (18)﴾الآية، والآية الثانية:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾.