جديد الرسائل

الخميس، 19 مارس 2020

(31) العلم وفضلُه


            مسائل في العلم وبعض آداب المعلم والمتعلم


قال الله تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)إلى قوله عزوجل:قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)﴾[الكهف].

من فوائد قصة هذين النبيين موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام التي تتعلق بالعلم وآدابه:

فضل العلم النافع قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة »(452):هذا وهو كليمُ الرحمن، وأكرمُ الخلق على الله في زمانه، وأعلمُ الخلق حمله حرصُه ونَهْمتُه في العلم على الرِّحلة إلى العالِم الذي وُصِفَ له.

فلولا أنَّ العلمَ أشرفُ ما بُذِلَت فيه المُهَج، وأُنفِقَت فيه الأنفاس، لاشتغلَ موسى عن الرِّحلة إلى الخَضر بما هو بصدده من أمر الأمَّة، وعن مقاساة النَّصَب والتعب في رحلته وتلطُّفه للخَضر في قوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]، فلم ير اتباعَه حتى استأذنه في ذلك وأخبره أنه جاء متعلِّمًا مستفيدًا.

فهذا النبيُّ الكريمُ كان عالمًا بقدر العلم وأهله، صلواتُ الله وسلامه عليه.اهـ

ويستفاد جملة من فوائد المعلم

·     الحث على التواضع فلم يمنع نبي الله موسى مع مكانته ومنزلته الرفيعة أن يرحل ويأخذ العلم ممن هو أدنى منه منزلة.

قال النووي في «شرح صحيح مسلم »(2380):يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ.

·     أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ،وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضر بِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(شرح صحيح مسلم 2380)للنووي.

·     خُضُوعُ الْكَبِيرِ لِمَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ(فتح الباري)(78).

·     تربية المعلم الطالب على التأني والصبر ،وكما قال يحيى بن أبي كثير لولده عبد الله:«لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ» رواه مسلم (612).

ومن آداب المتعلم:

·     الرحلة للتزود من العلم فنبي الله موسى رحل  للتزود والاستكثار من العلم.قال ابن القيم في«مفتاح دار السعادة»(56):لم يَجِئ ممتحنا وَلَا متعلما،وَإِنَّمَا جَاءَ متعلما مستزيدًا علما إِلَى علمه،وَكفى بِهَذَا فضلا وشرفا للْعلم.

قال أبو عبد الله القرطبي في «تفسير سورة الكهف»(رقم الآية:60):فِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ رِحْلَةُ الْعَالِمِ فِي طَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنَ الْعِلْمِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى ذَلِكَ بِالْخَادِمِ وَالصَّاحِبِ وَاغْتِنَامِ لِقَاءِ الْفُضَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وإن بعدت أقطارهم وذلك كان دَأْبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ وَصَلَ الْمُرْتَحِلُونَ إِلَى الْحَظِّ الرَّاجِحِ وَحَصَلُوا عَلَى السَّعْيِ النَّاجِحِ، فَرَسَخَتْ لَهُمْ فِي الْعُلُومِ أَقْدَامٌ وَصَحَّ لَهُمْ مِنَ الذِّكْرِ وَالْأَجْرِ وَالْفَضْلِ أَفْضَلُ الْأَقْسَامِ.

·     الصبر وتجشم المتاعب في تحصيل العلم ،قال الله عزوجل:﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا(62)﴾.

·     ملاطفة الطالب للمعلم لقول نبي الله موسى:﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾.

قال القرطبي:قَوْلُهُ تَعَالَى:هَذَا سُؤَالُ الْمُلَاطِفِ، وَالْمُخَاطِبِ الْمُسْتَنْزِلِ الْمُبَالِغِ فِي حُسْنِ الْأَدَبِ، الْمَعْنَى:هَلْ يَتَّفِقُ لَكَ وَيَخِفُّ عَلَيْكَ؟ وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ:هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ؟.

·     استئذان الطالب  المعلم أن يكون تابعًا له.

قال أبو عبد الله القرطبي:دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ تَبَعٌ لِلْعَالِمِ وَإِنْ تَفَاوَتَتِ الْمَرَاتِبُ.اهـ

·     فيه من الفقه التذلل، والتواضع للعالم، وبين يديه، واستئذانه في سؤاله، والمبالغة في احترامه وإعظامه، ومن لم يفعل هكذا فليس على سنة الأنبياء، ولا على هديهم، كما قال نبينا  صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه(المفهم لأبي العباس القرطبي6/202).

·     الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ..وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ.(شرح صحيح مسلم للنووي).

·     ضرر مماراة المعلم وأنها تقطع العلم.

 فنبي الله موسى أنكر على نبي الله الخضر خرقه السفينة،ثم قتله الغلام ،ثم إقامته الجدار الذي يريد أن ينقض مع إساءة أهله إليه،فحينئذٍ قال الخضر:﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾.

وقد قال ميمون بن مهران: لا تمارين به عالمًا، ولا جاهلًا، فإنك إذا ماريت الجاهل خشَّن بصدرك، ولم يطعك، وإذا ماريت العالم خزن عنك علمه، ولم يبال ما صنعت.رواه أبوعبيد في «فضائل القرآن» (صـ79)بسندٍ صحيح.والله الموفق.