جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 16 ديسمبر 2019

(18) اختصار الدرس السادس عشر من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


اختصار

من آداب المعلِّم

الصفة الأُولى: النُّصح

يوصي المؤلف النووي رحمه الله  المعلم أن يكونَ ناصحًا مع طلابه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ».

 النصيحة: إرادة الخير للمنصوح له، كما قال الخطابي في «معالم السنن» (4/125).

الصفة الثانية: إكرامُ الطالب

إكرام قارئ القرآن ومتعلمه داخلٌ في الأخلاق الشريفة، وفي النصيحة لله  ولكتابه، وداخلة في الرحمة بالطالب، وأداء حق من حقوق الطالب على معلمه.

وأعظم إكرام للمتعلم أن يكرمه المعلِّم بالعلم النافع ولا يبخل عليه، سواء كان معلمًا للقرآن الكريم أو غيره، وهذه طريقة السلف الصالح إكرام المتعلم والاهتمام بتعليمه واستفادته. ومما جاء من الآثار:

 قال الرَّبِيع بن سليمان المرادي: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: «لَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُطْعِمَكَ الْعِلْمَ لَأَطْعَمْتُكَهُ». رواه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (377).

وعن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي-أنه قال طلابه-: «وَدِدْتُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَاءً فَأَسْقِيكُمُوهُ» رواه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل»(184).

 سمعت والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله يقول: لو كان العلم يُسقَى في كأس لأسقيتكموه ولكن لا يتحصل عليه إلا بحكِّ الرُّكَب على الحصير.

وعن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل يَقُولُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: «لَوْ لَمْ تَجِيئُونَا لَجِئْنَاكُمْ» أخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1/353).

 وهذه الآثار كلها ثابتة،وهذه الأخلاق تدل على إخلاص، وتدل على حرصٍ وكَرَمٍ بالغ في بذل العلم وإكرام قارئه ومتعلمه، وتدل على التواضع وصفاء السريرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصفة الثالثة: إرشاد الطالب إلى مصلحته

هذا من أعظم أنواع الرحمة بالطالب، ومن أعظم أنواع الإحسان والأخلاق الرفيعة.

وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمثلة كثيرة في إرشاد أصحابه ونصحهم وتوجيههم إلى منافعهم.

روىالبخاري (631 ومسلم (674)عن مَالِك بن الحويرث قال: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا-أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا-سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ».

وكان النبي صلى الله عليه وسلم من سأله عن مسألةٍ لا حصر لها لسعتها عدَّل مسألته إلى ما ينحصر. كما روى البخاري(134 ومسلم (2/835) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا البُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الوَرْسُ، أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ».

ومن سأل عن مسألة وهو يحتاج إلى زيادة في الجواب أرشده إليه.

كما روى الإمام البخاري (3425) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى». قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ». ثُمَّ قَالَ: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ».

وأما قولهم: الجواب على قدر السؤال فهذا عند عدم الحاجة إلى الزيادة.

ومن علم أنه يريد القدوم على شيءٍ وغيره أفضل منه أرشده إلى الأفضل. كما روى الإمام مسلم (1/462) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ الله، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ».

ومن انشغل بفضول العلم وما لا ينفعه صرفه إلى ما ينفعه ولهذا في جملةٍ من المسائل كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعدِّل السؤال إلى المسألة التي يُنتفع بها، وهذا كالذي سأل عن الساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أعددتَ لها؟» صرفه إلى ما ينفعه، وهو التهيؤ والاستعداد ليوم القيامة بما يكون سبَبًا لنجاتِه وزوال كربتِه.

ومشى على هذه الطريقة العلماء الناصحون.

وهذا حق مؤكَّد للطالب على معلمه أن يرشده إلى مصالحه التي يحتاج إليها ومنافعه وأسباب سعادته في أمور دينه ودنياه وآخرته، وأنَّ المعلم لا يكون حول نفسه، وخاصة في أمر الطلب والتلقي، هذا من أهمِّ ما يرشد المعلم الطالب اليه، يرشده إلى العلوم المهمة المناسبة له، وكيف يتصرف مع الدروس، وخاصة المبتدئ فإنه قد يتخبَّط ولا يحسن التصرف إذا لم يجد معلمًا يرشده ويوجهه وينبهُهُ.

 فمثلًا: في بدء الطلب قد يسعى الطالب جادًّا في تحصيل العلم بحرصٍ شديد، وحماس غير سديد، كما هو معروف عن البادئين الناشئين، فيشدد على نفسه ويحمِّلها فوق طاقتها، وهذا يحذِّر منه أهلُ العلم، لأن مآلَه إلى السقوط والنفور، وقد قيل: المُنْبَتُّ لا أرضًا قطع ولا ظهْرًا أبقى. ومن أراد العلم جملة فاته كله.

 وقد يسيء التصرف بالتنقل عند المدرِّسين يأخذ له درسًا أو درسين ثم يقول: ذلك المدرس الآخر أفضل، وهكذا.. ما يستقر عند مدرس، وهذا النوع يصدق عليه.

تمشي السنين ولم يستفد، لم يحفظ القرآن، ولم يستفد في العقيدة والتوحيد، ولا في الفقه، ولا اللغة العربية إلى غير ذلك، لأنه أساء التصرف، وأخطأ الطريق، ومن أخطأ الطريق ضلَّ. لكن إذا وجد معلمًا يبصره ويرشده بإذن الله يصل إلى المطلوب، كلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ.

ولا يُظن أن هذا ليس في الواقع، بل هذا يحصل عند كثير من الطلاب الناشئين، ولكن بإرشادات المعلم يتبصَّر الطالب ويعرف طريق الصواب، ورحم الله علماءنا على حرصهم على جمع قلبِ الطالب وعدم تشتيته، وأخص والدي الشيخ مقبل رحمه الله وغفر له على نصائحه وتوجيهاته السديدة، فهو الذي أرشدنا ووجَّهنا إلى ما ينفعنا ونهانا عما يضرنا، وفي الحقيقة هذه الكلمات المذكورة هي من مضمون نصائح والدي رحمه الله وغفر له.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصفة الرابعة: مساعدة المعلم الطالب بما أمكنه

هذا من آداب المعلم وأخلاقه إعانة الطالب بقدر ما يستطيع فإذا كان عنده إشكال أفاده، أو احتاج إلى مساعدة في بحثه كمراجعته أو تكملة نقصٍ عنده أعانه إذا أمكنه، أو كان الطالب في ضيق وكربة كأن يكون عليه ديون أو بعض الحقوق أو مشاكل وأمكن المعلم إعانته والتفريج عنه فلا يبخل عليه، إعانته على التفرغ للعلم النافع هذا من أجلِّ الأخلاق.

وقد كان عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه يفرق المال ويعطى طلبة العلم ليسدَّ حاجتهم ويتفرَّغوا للعلم. ثبت عن حِبَّان بْنِ مُوسَى، قَالَ: عُوتِبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِيمَا يُفَرِّقُ الْمَالَ فِي الْبُلْدَانِ، وَلَا يَفْعَلُ فِي أَهْلِ بَلَدِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ مَكَانَ قوم، لَهُمْ فَضْلٌ وَصَدْقٌ، وطَلَبُوا الْحَدِيثَ فَأَحْسَنُوا الطَّلَبَ لِلْحَدِيثِ، حَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهِمْ شَدِيدَةٌ وَقَدِ احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُمْ ضَاعَ عَلْمُهُمْ، وَإِنْ أَغْنَيْنَاهُمْ بَثُّوا الْعِلْمَ لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ دَرَجَةً أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ الْعِلْمِ» رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (3/263) بسند حسن.

والذي ينفق على طالب العلم اللهُ سبحانه ينفق عليه ويسهل له مفاتيحَ الرزق.

 روى الترمذي (2345) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ» والحديث في «الصحيح المسند» (26) لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله .

وإذا قام المعلم بذلك وأعان تلميذه ويسر عليه وكف عنه العوائق فهو في خير عظيم وفي عبادة الله «وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ» رواه البخاري (2442 ومسلم (2580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا.

ورحم الله والدي وغفر له لقد كان شديد الحرص على مساعدة الطلاب.

الصفة الخامسة: تألف قلب الطالب

 التَّألُّف الْمُدَارَاةُ وَالْإِينَاسُ كما في «النهاية».

تألف قلب الطالب بالأخلاق واللين وبالمال وبالمعروف والإحسان هذا من صفات المعلم ومن حق الطالب على المعلم، فإذا خُشي على الطالب أن يملَّ ويفتر، أو يترك طلب العلم ينبغي للمعلم أن يتألفه شفقةً عليه ورحمة به، وليعينَه على الخير الاستمرار في طلب العلم والثبات عليه، وابتغاء الأجر والثواب من الله سبحانه.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قلوبَ أصحابه من ضعفاء الإيمان، وقلوب المعرضين من الكفار بالمال والأخلاق.

وكان من السلف من يتألف على حديثه.

روى أبو خيثمة زهير بن حرب في «العلم»(82) عن أبي صالح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ: «ادْنُوا يَا بَنِي فَرُّوخَ فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَكَانَ فِيكُمْ مَنْ يَتَنَاوَلُهُ». أثر أبي هريرة صحيح.

وفروخ: أبو العجم. يراجع «تاج العروس».

وكان عروة بن الزبير التابعي الجليل الصابر المحتسب يتألف الناس على حديثه، كما في «المعرفة والتاريخ» للفسوي (1/552).

وقال الخطيب في جامعه تحت فقرة (785): وكان في السلف من يتألف الناس على حديثه؛ ابتغاء المثوبة في نشره، ويرى أن ذلك من واجب حقه. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الصفة السادسة: أن يكون المعلم سمحًا بتعليمه في رفق

سمحًا: أي سهلًا ليِّنًا، وهذا مما ينبغي للمعلم أن يكون سمحًا ببذل العلم.

وقد قَالَ أَحْمَدُ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَفِدْ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ وَأَكْرِمْهُمْ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ لَمْ يَكُنْ يُفِيدُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ وَيَجْفُوهُمْ فَلَمْ يُفْلِحْ. «الآداب الشرعية» (2/104) لابن مفلح.

وقد وُصف بعض المحدثين بالعسر في التحديث، لأنهم يقتصرون على التحديث بالشيء اليسير، يحدثون بحديثين أو ثلاثة ولا يزيدون،وأيضًا لا يحدثون إلا بعد محاولة معهم.

ومن الذين وُصِفوا بالعُسْرِ في التحديث:

§    نافع مولى ابن عمر كما  في «العلل» (2/302)لأحمد.

§    سعيد بن عبدالعزيز  كما في«تاريخ أبي زرعة» (360).

§    ابن أبي ذئب: محمد بن عبدالرحمن

عن عَلِيٍّ وهو ابن المديني قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ القطان يَقُولُ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عُسْرًا قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ: عُسْرًا قَالَ: «أَعْسَرُ أَهْلِ الدُّنْيَا، إِنْ كَانَ مَعَكَ كِتَابٌ قَالَ: اقْرَأْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَكَ كِتَابٌ، فَإِنَّمَا هُوَ حِفْظٌ» رواه البغوي في «زوائد الجعديات»(2857).

البغوي له زوائد على «الجعديات» مثل ما لعبد الله بن أحمد بن حنبل زوائد على مسند أبيه، والقطيعي له زوائد على «فضائل الصحابة» للإمام أحمد.

وليس معناه أن الزوائد في كتابٍ آخر، هو في نفس الكتاب، ويعرفه مَن لديه خبرة وممارسة للأسانيد وعلم الرجال.

واستفدت من والدي رحمة الله عليه أن الكتاب اسمه «الجعديات» ومؤلفه علي بن الجعد، ولكن محقق الكتاب حول اسمه إلى «مسند ابن الجعد» قال: لعله لمصلحه تجارية حتى لا ينفر الناس من الكتاب، لأن اسمه «الجعديات» أو بهذا المعنى.

§     شعيب بن أبي حمزة

قال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (434): أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَسِرًا فِي الْحَدِيثِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: هَذِهِ كُتُبِي قَدْ صَحَّحْتُهَا، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا فَلْيَأْخُذْهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ فَلْيَعْرِضْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَهَا مِنِ ابْنِي فَلْيَسْمَعْهَا، فَقَدْ سَمِعَهَا مِنِّي.

«وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ فَلْيَعْرِضْ» هذا عرض القراءة.

و«الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ» أبو اليمان من مشايخ الإمام البخاري.

«شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ» ممن وُصف بالعسر في التحديث، ولكن عند أن حضرته الوفاة أحب أن يبذلَ علمه وأن ينشره.

§    الأعمش كان عسرًا في الحديث.

§    أبوبكر بن عياش ذكر الخطيب في «شرف أصحاب الحديث»(تحت رقم 324) أن أبا بكر يعني ابن عياش كان عسيرًا في الحديث.

§    مالك بن مغول، مسعر بن كدام

أخرج الرامهرمزي في «المحدث الفاصل»(801)من طريق قَبِيصَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ مِغْوَلٍ عَنْ حَدِيثٍ فَقَالَ: ﴿أَعُوذُ بِالرحْمَنِ مِنْكَ إِن كُنْتَ تقِيًّا ﴾[مريم: 18].

قَالَ: وَأَمَّا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ فَكَانَ لَأَنْ يُقْلَعَ ضِرْسُهُ-أَوْ كَمَا قَالَ-أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ.

قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ عِنْدَهُ عَشَرَةً قَطُّ، كَانُوا سِتَّةً، سَبْعَةً.

هذه طريقة بعض المحدثين العُسر في التحديث، وهذا خلاف الأولى. وهم ليسوا معصومين، المعلم ليس بمعصوم من التقصير ومن ارتكاب خلاف الأولى، والله المستعان.

ويوجد بعض الطرق لاستخراج علم الشيخ إذا كان عسرًا، منها:

§    أن يصبر الطالب ويحاول أن يستخرج ما عند الشيخ  من العلم حتى لا يخسر الاستفادة من الشيخ، كما كان يفعل أهل الحديث مع معلِّميهم الذين لديهم هذه الصفة.

§    التودُّد للشيخ وملاطفته

روى الإمام أحمد بن حنبل في «العلل»(156) عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ أَبُو سَلمَة يسْأَل ابن عَبَّاس فَكَانَ يخزن عَنهُ وَكَانَ عبيد الله يلطفه فَكَانَ يغره غرا.

وأخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي»(381) بلفظ «يلاطفه» تحت فقرة: إِذَا كَانَ الْمُحَدِّثُ مِمَّنْ يِتَمَنَّعُ بِالرِّوَايَةِ، وَيَتَعَسَّرُ فِي التَّحْدِيثِ، فَيَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يُلَاطِفَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَرْفُقَ بِهِ وَيُخَاطِبَهُ بِالسُّؤْدَدِ، وَالتَّفْدِيَةِ، وَيُدِيمُ الدُّعَاءَ لَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَبِيلٌ إِلَى بُلُوغِ أَغْرَاضِهِ مِنْهُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصفة السابعة: التلطف بالطالب

هذا من آداب المعلم ملاطفة الطالب وترك التأنيب والمعاتبة، وهذا من الصفات الجميلة لما فيه من الرفق والمؤانسة والإكرام، وفيه جذب القلوب، فهو رابطة قوية بين المعلم وتلميذه،ومما يدخل في ملاطفة الطالب:

1. قول يا بني. روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا بُنَيَّ». وكذا قال للمغيرة بن شعبة: «أَيْ بُنَيَّ وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ». رواه البخاري ومسلم وليس عند البخاري لفظة «أَيْ بُنَيَّ».

2. الدعاء للطالب فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس، ودعا لابن عباس وقال: «اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» رواه البخاري.

3. التبسم في وجه الطالب عن جرير بن عبد الله البجلي قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي» رواه البخاري ومسلم.

4. المزاح معه بما لا شُبهة فيه ولا ذريعة إلى فتنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لما غضب وخرج من بيته إلى المسجد واضطجع وأصابه التراب: قم أبا تراب،والحديث في البخاري (441ومسلم (2409)،وقال لحذيفة يوم الخندق لما رجع ولم يزل نائمًا حتى أصبح: «قُمْ يَا نَوْمَانُ» رواه مسلم (1788).

5.  إخبار المعلم إياه أنه يحبه عملًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رواه أبو داود (5124) وهو في «الصحيح المسند» (1143)لوالدي رحمه الله.

وقال ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه» (209) حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لِي: «مَا أَحَبَّكَ إِلَيَّ

6. الثناء عليه وتشجيعه إذا لم يخف عليه الغرور والإعجاب، أما إذا خيف عليه، فلا، الله يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

 وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع أصحابه ويثني عليهم فإن هذا يقوي الهِمم ويدخل السرور، من أمثلة هذا: روى مسلم (810) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الحديث وفيه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ».

وروى البخاري في «صحيحه»عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قال: «لَوْ أَنَّ مُسَدَّدًا أَتَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ، فَحَدَّثْتُهُ لاَسْتَحَقَّ ذَلِكَ، وَمَا أُبَالِي كُتُبِي كَانَتْ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ مُسَدَّدٍ».

وعَنْ عَلْقَمَة هو ابن قيس، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لَهُ: «اقْرَأْ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي» رواه ابن أبي خيثمة في «تاريخه».

7. مراعاة شعور الطالب.عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. رواه البخاري(3242 ومسلم (2395).

علق والدي الكريم رحمه الله أثناء الدرس على هذا الحديث وقال: فيه مراعاة شعور أخيك في الله.

8. حُسْنُ الظنِّ به، عن الرَّبِيع بْن سُلَيْمَانَ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقُلْتُ لَهُ: قَوَّى اللَّهُ ضَعْفَكَ. فَقَالَ: لَوْ قَوَّى ضَعْفِي قَتَلَنِي. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، مَا أَرَدْتُ إِلا الْخَيْرَ. قَالَ: أَعْلَمُ أَنَّكَ لَوْ شَتَمْتَنِي لَمْ تُرِدْ إِلا الْخَيْرَ».

وفي رواية أخرى أَنَّ الشافعي عَلَّمَهُ، وقَالَ: قُلْ: «قَوَّى اللَّهُ قُوَّتَكَ، وَضَعَّفَ ضَعْفَكَ». رواه ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه» (209).

الصفة الثامنة: تحريض الطالب على التعلم

هذا من آداب المعلم تحريض الطالب على تعلم العلم النافع وحثه على الحرص عليه، وهذا من أعظم النصائح، فلا يُشغل الطالب عن العلم والدروس، لأن هذا يفوت عليه خيرًا كثيرًا من العلم. قال سبحانه: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.

وكان من نصائح والدي لطالب العلم: اجعل الدنيا تابعة للعلم ولا تجعل العلم تابعًا للدنيا، أما أنك لا تجعل العلم إلا وقت فراغك فقد لا تستفيد، اعطِ العلم كُلَّك يعطيك بعضه، أو بهذا المعنى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرَّ أثر ابن مسعود أنه قال لتلميذه علقمة:اقرأ فداك أبي وأمي.فهل أبوا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مسلمان؟

الجواب

روى البخاري(3763 ومسلم (2460) عن أبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، يَقُولُ: «قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ اليَمَنِ فَمَكُثْنَا حِينًا مَا نُرَى إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم».

هذا الحديث فيه دليلٌ على صحبة أم عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ومنقبة جليلة لها ولولدها حتى إنه ظنَّ الوافدون أنهما من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لكثرة دخولهما على النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكرها ابن سعد في «الطبقات» (3/111) ترجمة ولدها ابن مسعود وقال: أم عَبْد الله بْن مَسْعُود أم عَبْد بِنْت عَبْد ود بْن سواء بْن قريم بْن صاهلة بْن كاهل بْن الْحَارِث بْن تميم ابن سعد بْن هذيل.

وكذا الحافظ ابن حجر في «الإصابة»(4/199).

وأما أبوه مسعود فقال الحافظ في «فتح الباري» (شرح حديث 3760): مَاتَ أَبُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَصَحِبَتْ فَلِذَلِكَ نُسِبَ إِلَيْهَا أَحْيَانًا. اهـ.

هل يجوز التفدية بالأبوين المسلمين؟

الجواب

ثبت عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». رواه البخاري (4059 ومسلم (2411)

وبوب على هذا الحديث البخاري في «صحيحه» بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.

قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»: فِيهِ جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبَوَيْنِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ.

وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنهمَا.

وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فِي التَّفْدِيَةِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةُ فِدَاءٍ. وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ وَأَلْطَافٌ وَإِعْلَامٌ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ وَمَنْزِلَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّفْدِيَةِ مُطْلَقًا. اهـ.